responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 161
نفسه وعن أبي عمرو الشيباني الذي يقال إنه دخل البادية ومعه دَسْتيجتان من حبر، فما خرج حتى أفناهما بكتب سماعه عن العرب[1].
وكان بعض الأعراب يفد على الحواضر وقد يقيم فيها ليسد هذه الحاجة عند الرواة، والمهم أنهم لم يكتفوا بالاعتماد على ذاكرتهم صنيع الرواة من قبلهم؛ بل كانوا يدونون ما يسمعونه ويحتفظون به ويقرءون منه في مجالسهم وينقله عنهم طلابهم.
وأخذت موجة هذا التدوين تتسع اتساعًا شديدًا، ويستطيع من يرجع إلى الفهرست وكتب التراجم أن يطلع على هذا النشاط التأليفي الذي لا يكاد يبلغه الحصر والعد؛ فقد ترك هشام بن محمد الكلبي نحو مائة وأربعين كتابًا، وكانت كتب المدائني لا تقل عنها عددًا؛ بينما خلف الهيثم بن عدي خمسين مصنفًا. وأكثر كتبهم يعد مفقودًا ومن بينها ما يشير إلى عنايته بالشعر ككتاب أخبار خزاعة للمدائني وأخبار طيء للهيثم، وقد نُشر الأصنام لابن الكلبي وهو يمتلئ بالشعر الجاهلي مما يدل على أنه كان يملأ كتبه به.
على أنه يلاحظ إزاء المؤرخين أن كثيرًا منهم لم يكن دقيقًا فيما يجمع من شعر، ولعل ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية أشهرهم في هذا الباب، وقد تصدى له ابن سلام في طبقاته، فقال: "وكان ممن أفسد الشعر هجَّنه وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحاق بن يسار، مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وكان من علماء الناس بالسِّير. فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لي بالشعر أوتى به فأحمله. ولم يكن ذلك له عذرًا. فكتب السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط وأشعار النساء فضلًا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود فكتب لهم أشعارًا كثيرة، وليس بشعر إنما هو كلام مؤلف معقود بقواف، أفلا يرجع إلى نفسه، فيقول: من حمل هذا الشعر ومن أداه منذ آلاف السنين، والله تبارك وتعالي يقول: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي لا بقية لهم، وقال أيضًا: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} وقال في عاد: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} وقال: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} وقال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ} [2].

[1] نزهة الألباء للأنباري: ص 63.
[2] ابن سلام: ص 8 وما بعدها.
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست