اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف الجزء : 1 صفحة : 153
بعد تجريد التهمة من مبالغاتها تظل عالقة به؛ ولذلك ينبغي أن لا نقبل شيئًا مما يروى دون أن يأتينا عن الرواة الثقات، وكذلك ينبغي أن نتشكك فيما يرويه تلاميذه مثل ابن كناسة المتوفى سنة 207 وخلف الأحمر راوية البصرة المشهور؛ إذ كان قد أكثر الأخذ عنه[1]، ويروى أنه كان يعطي حمادًا المنحول فيقبله منه ويرويه[2].
ومن رواة الكوفة الذين عاصروا حمادًا واشتهروا بالوضع برزخ العروضي وكان من أكذب الناس في الرواية[3] ومثله جنَّاد وكان يخلط في الأشعار ويصحف ويلحن[4]. وإذا كانت الكوفة أصيبت بمثل هؤلاء الرواة الوضاعين الذين ينحدرون من أصول غير عربية؛ فقد كان من ورائهم رواة ثقات على رأسهم المفضل بن محمد بن يعلى الضبي المتوفى سنة 170 للهجرة، وكان عالمًا علمًا دقيقًا بأشعار الجاهلية وأخبارها وأيامها وأنساب العرب وأصولها، ويُجمع الرواة كوفيين وبصريين على توثيقه، وقد خلف مجموعة كبيرة من أشعار الجاهليين هي الملقبة بلقب المفضليات، وهي أروع ما بأيدينا من نصوص الشعر الجاهلي ووثائقه التي لا يَرْقى إليها الشك.
وإذا ولينا وجوهنا نحو البصرة في الحقبة التي تلت أبا عمرو بن العلاء وجدنا بها خلفًا الأحمر الذي تسدد إليه سهام الاتهام، ولم يكن يقل عن حماد في معرفته بأشعار العرب وأخبارهم؛ بل لعله يتقدمه؛ إذ كان شاعرًا مبرزًا، وكان بصيرًا بالشعر، وأصل أبويه من فرغانة فهو من الموالي، ولد سنة 115 للهجرة وتوفي حوالي سنة 180 وفيه يقول ابن سلام: "اجتمع أصحابنا أنه كان أفرس الناس ببيت شعر وأصدقهم لسانًا، وكنا لا نبالي إذا أخذنا عنه خبرًا أو أنشدنا شعرًا ألا نسمعه من صاحبه5"؛ غير أن شهادة ابن سلام له لا تعفيه من التهمة الشديدة التي سلطت على روايته، وقد شهد هو نفسه بها؛ إذ زعم كما قدمنا أنه كان يعطي حمادًا المنحول من الشعر ويزيفه عليه فيرويه، ويقال إنه هو الذي وضع اللامية المنسوبة إلى الشنفرى6: [1] مراتب النحويين: 47، 72. [2] الأغاني: 6/ 92. [3] إنباه الرواة: 1/ 242 والفهرست "طبعة مصر" ص 107. [4] انظر ترجمته في معجم الأدباء لياقوت وراجع الفهرست ص 135.
5 ابن سلام ص 21.
6 الأمالي 1/ 156.
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف الجزء : 1 صفحة : 153