اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف الجزء : 1 صفحة : 105
مستقلة لها مشخصاتها وسماتها الصرفية وغير الصرفية.
ونضرب مثالًا آخر حديثًا أثار ضجة واسعة بين المستشرقين، وهو ما زعمه فولرز من أن القرآن الكريم كان في بادئ الأمر غير معرب؛ إذ كان بلهجة قريش الدارجة، وهي لهجة -فيما يزعم- كانت غير معربة، وكانت تختلف عن لهجة الشعر الجاهلي الخاضعة لقواعد النحو العربي، ومضى يقول: إن النحاة المتأخرين هم الذين صاغوه في لغة البدو المعربة. وقد رفض كثير من المستشرقين وعلى رأسهم بوهل ونولدكه وجاير هذا الرأي رفضًا باتًّا[1]، ويقول يوهان فك: إما أن أقدم أثر من آثار النثر العربي وهو القرآن قد حافظ أيضًا على غاية التصرف الإعرابي؛ فهذا أمر وإن لم يكن من الوضوح والجلاء بدرجة الشعر الذي لا تترك أساليب العروض والقافية مجالًا للشك في إعراب كلماته؛ إلا أن مواقع كلام القرآن الاختيارية لا تترك أثرًا للشك فيه كذلك، انظر مثلًا آية 28 من سورة فاطر: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وآية 3 من سورة التوبة: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} وآية 124 من سورة البقرة: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} وآية 8 من سورة النساء: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} فمثل مواقع الكلمات في هذه الآيات، لا يمكن أن يكون إلا في لغة لا يزال الإعراب فيها حيًّا صحيحًا. يضاف إلى ذلك شهادة القرآن نفسه في مثل آية 130 من سورة النحل: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} وصريح من هذا أنه لم يقم عند محمد ومعشره فرق هام بين لغة القرآن وبين لغة العرب أي قبائل البدو2".
ومما يثبت بطلان رأي فولرز أنه لم يُعْرَف عن قبيلة عربية من القبائل الشمالية أنها اتخذت لهجة دارجة خالية من قواعد النحو والعربية. وقد نسي أو تناسى أن قراءات القرآن الشريف توقيفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أنه قرأه على الصحابة في لهجة غير معربة لقضى على اللهجات المعربة من حوله. وعلى الرغم من وضوح فساد هذا الرأي وبطلانه نجد كاله "Kahle" يحاول أن يدلل على صحته، تارة بما وجده من نصوص متأخرة تحث على مراعاة الإعراب في ترتيل القرآن، وتارة بما يزعمه من أن قراء القرآن الأولين رحلو لمخالطة عرب البادية، حتى [1] انظر مادة قرآن في دائرة المعارف الإسلامية وتاريخ القرآن لنولدكه وكتاب العربية ليوهان فك ص3 وما بعدها.
2 العربية ليوهان فك: ص3.
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف الجزء : 1 صفحة : 105