مواضع الحروف من معانيها، فيجعلون الحرف الأضعف فيها والألين والأخفى والأسهل والأهمس, لما هو أدنى وأقل وأخفى عملًا وصوتًا؛ ويجعلون الحرف الأقوى والأشد والأظهر والأجهر، لما هو أقوى عملًا وأعظم حسا، ولتفصيل ذلك موضع سيأتيك.
أما صيغ كلامهم فهي بذلك أبدع الصيغ وأسهلها، لما نَحَوْه من استعمالها من التخفيف، وما طلبوه في صوغها من الاختصار؛ وأكثر الصيغ المهملة في العربية تجدها مستعملة في العبرانية والسريانية أو في إحداهما دون الأخرى، مما يدل على أن هذه اللغة خلق لساني حي كما بيناه في صدر هذا الكلام.
أوزان الأفعال في اللغات الثلاث:
وصيغ الأفعال معروفة في اللغات الثلاث، وقد نقلنا ما عرفوه منها في اللغة البابلية، ونحن ذاكرون هنا أوزانها في هذه اللغات المتشابهة؛ ليستدل بالمقابلة بينها على ترقي الصفات اللسانية في العرب، وأن مبني كلامهم على خفة اللفظ وعذوبته، حتى كأنهم جروا في اللغة على ناموس اقتصادي، وهو نهاية ما تبلغه القرائح من الكمال في أوضاع اللغات؛ هذا إلى ما انفردت به العربية من استقامة الصوت وامتلائه ووضوحه؛ لأنه مادة الحرف وصلاح كل شيء من مادته.