كل منهم عن قياس نفسه ووزن طبعه، حتى كأن ألسنتهم تختلف مثل الاختلاف ما بين أجسامهم وأذواقهم؛ فكل منهم يفصل من الكلام ويتصرف في وجوه القول على حسب هذا القياس الذي خلق فيه وركب في طبعه وكان مظهر قريحته؛ ومن هذه الجهة نشأ بينهم التنافس في إحكام اللغة والمفاخرة بالبيان وانحراف اللسان عن الشذوذ الذي يعتبرونه خلقيًا في الألسنة الشاذة، وساعدتهم على ذلك مواقعهم وأيامهم وأسواقهم التي يقصدونها للتسوق والبياعات والمنافرة والحكومة وغيرها مما هو من طبيعة المخالطة. وهذا هو الدور الثاني من أدوار تهذيب العربية.