أصل العرب:
ليس من شأننا في هذا الكتاب أن نستغرق ما قيل عن العرب وأصلهم ومنشئهم، وما حققه من ذلك علماء البحث من المتأخرين الذين استثاروا الدفائن واستنطقوا الآثار واستخرجوا تاريخ الحياة من القبور، ولا أن نستوفي معاني الاجتماع العربي مما يدخل في العادات والأديان ونحوها، فذلك مما يحتمل المجلدات الكثيرة، وهو منحى تبعد الصلة بينه وبين ما نحن بسبيله من آداب اللسان، ولذلك نلم بهذا المعنى مكتفين منه بما تمس إليه حاجة التحديد وما توفى به فائدة هذا التمهيد.
العرب أحد الشعوب السامية، نسبة إلى سام بن نوح، وهي الأمم التي ذكرت التوراة أنها من نسله، وتسمى لغاتها باللغات السامية أيضًا، كالعربية والعبرانية، والسريانية، والحبشية، والآرامية، وغيرها، وهي تسمية استحدثها بعض المتأخرين من علماء اللغات.
وقد اختلف الباحثون في منشأ تلك الشعوب الذي امتهدته وتفرقت منه، فذهب بعضهم إلى أن مهد الساميين الحبشة في أفريقيا، وقال آخرون: بأن مهدهم جزيرة العرب. والقائلون بهذا الرأي أكثر نفرًا وأعز أنصارًا، ولهم في ذلك آراء أخرى متنوعة الأدلة، ولكن مما لا يمترون فيه أن العربية كانت أبعد آفاق التاريخ التي أضاء فيها كوكب الحضارة المشرق، وقد تحققوا ذلك بما اكتشفوه سنة 1901 للميلاد في بلاد السوس من آثار دولة حمورابي وهي المسلة التي دونت عليها الشريعة البابلية في 282 نصا، وما ثبت لهم من أن هذه الدولة عربية، وهي تبتدئ سنة 2460 ق. م. وبهذا الاكتشاف قضي للجنس العربي أنه أسبق الأمم إلى وضع الشرائع، وأنه بلغ طبقة عالية في الحضارة سقطت دونها الشعوب القديمة؛ بل يذهب الأستاذ صموئيل لاينج في كتابه "أصل الأمم" إلى أن الساميين استوطنوا بلاد العرب، وأنهم حيثما وجدوا في غيرها فهم غرباء، وأن تقدمهم في الحضارة معرق في القدم ربما كان زمن تحول العصر الحجري، فتحولوا يومئذ عن الصيد والقنص إلى الزراعة والصناعة، وهو يشير بذلك إلى "الدولة المعينية" التي جاء ذكرها في سفر الأخبار الثاني الإصحاح 26 عدد 7؛ وقد عثر الباحثون على أمة بهذا الاسم ذكرت في أقدم آثار بابل سنة 3750 ق. م. على نصب من أنصاب النقوش المسمارية.
وبالجملة فإن أصل العرب من أصول التاريخ الإنساني التي ألحقها الله بغيبه، فلا يجليها لوقتها إلا هو، وفوق كل ذي علم عليم.