responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 267
وتتبع سقطاته، وبينهما أكثر من نصف قرن؛ وقال علي بن حمزة في كتاب "التنبيهات"[1]: إنه كان شديد العصبية على جماعة من الشعر لعلل.... فعلة ذي الرمة اعتقاده العدل، وكان الأصمعي جبريا، وقيل لأبي عثمان المازني: لم قلت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده بالقدر والميل إلى مذاهب الاعتزال؛ ثم ذكر قصة أنه جاءه يومًا فاستدرجه الأصمعي إلى الإقرار بعقيدته ليغري به العامة، وقال في آخرها: ثم أطبق "يعني الأصمعي" نعليه، وقال: نعم القناع للقدري. فأقللت غشيانه بعد ذلك. قال: وكان الأصمعي لهذه العلة يكثر الأخذ على ذي الرمة ويعترضه مخطئًا أيضًا.
ولا يزال يكون مثل ذلك في العلماء الذين يجعلون العلم وراء العقيدة؛ فهم إذا انتحلوا مذهبا يميزهم في طائفة من الأضداد، ذهبت ريحهم بهذا التضاد فصرفوا العلم إلى جانب الهوى فيه، وجعلوا ألسنتهم من وراء ما يذهبون إليه، يحوطونه ويدرءون عنه ويبغون الغوائل بمن يعترضه دافعًا أو مدافعًا، ولا بد في التسبب لذلك من ضغن علمي يرونه حلالًا بينًا، فإن كان فيه مكروه من النفاسة والتخذيل فكراهة تحليل؛ لأنه في الله أو في الحق الذي هو من الله؛ والضغن متى كانت له سبيل في العلم كان أمد في الصدور، وأرسخ في القلوب، لما يكون معه من خاصة النظر التي تكتنفه بأشعة النفس فتجعله كأنه من أخلاط الطبيعة في التركيب وإن كان من أغلاطها، وتظهره في أشعتها مظهر السحاب الذي يرتفع بقطرات الماء وإن كان بعد ذلك سبب انحطاطها؛ فرحم الله القوم، فإن لهم وجوهًا من المعذرة، تنظر فيها عيون المغفرة، و {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] .
وبعد، فهذا مجمل من أمر الرواية والرواة، ولولا أني حبست من نفس المقال، وعدلت بالقلم عن انتجاع الغيث إلى البلال لأمضيت البحث لطيته، وتركت الخاطر على سجيته، ولكنها قصبة من جناح قد طار، وأثارة من علم صار من الإهمال إلى ما صار، وإن هو إلا بساط كان منشورًا فطوي، وحديث قيل ثم روي.

[1] هو علي بن حمزة البصري اللغوي المتوفى سنة 375هـ، وعنده نزل المتنبي حين ورد بغداد، وقد كانت له عناية لا تعرف لغيره وغير معاصره صاحب "التهذيب" في التتبع على أئمة اللغة وتصفح كتبهم، ولكنه انفرد عن الأزهري بتدوين ذلك؛ فصنف الرد على رواية بعض ما في نوادر أبي زياد الكلابي الأعرابي، ونوادر أبي عمرو الشيباني وما في كتاب "النبات" لأبي حنيفة الدينوري، وما في "الكامل" للمبرد، وما في "الفصيح" لثعلب، وما في "الغريب المصنف" لأبي عبيد، وما في "إصلاح المنطق" لابن السكيت، وما في "المقصور والممدود" لابن ولاد النحوي المصري؛ وسمى مجموع هذه الردود "التنبيهات على أغلام الرواة"، وهو في المكتبة الخديوية، وردوده، كما قال: فيها كلمة مصحفة، وأخرى محرقة، وتفسير غير صحيح، وتأويل غير رجيح، وإعراب غير مليح إلخ.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 267
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست