responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 210
عباس، وساق السيوطي جميعها في "الإتقان" إلا بضعة عشر سؤالًا- فكان هذا الصنيع من ابن عباس داعيا إلى اعتبار اللغة اعتبارا علميا؛ إذ نظر إلى لغات العرب من وجه واحد واعتبرها مادة واحدة في الاستشهاد، وسمى هذه المادة "لغة العرب".
ولما وضع أبو الأسود النحو وأطلق عليه لفظ "العربية"[1] -وكان الناس يختلفون إليه يتعملونه منه وهو يفرع لهم ما كان أصّله، وشاع ذلك. وكان الغرض منه صيانة اللسان من الخطأ، وتقويمه من الزيغ، ورد السليقة إلى حدود الفطرة التي خرجت عنها- ظهر ذلك المعنى اللغوي في الشكل اصطلاحي، ولكن لم يتميز من اللغة بالتعريف إلا العويص النافر منها الذي يعلو عن طبقة الحضريين ومن ضعفت ملكاتهم، فكان هذا وأشباهه كأنه غريب عليهم خارج عما ألفه سوادهم من تصاريف القول، بعد أن أطبق الناس على اللغة القرشية الفصحى، ولذلك اصطلح أهل العربية يومئذ على تسميته "بالغريب" وهو أول معاني الدلالة اللغوية.
وكان أبو الأسود قد روى الشعر وتتبع كلام العرب واستقصى في ذلك وبالغ[2] ومع ذلك فلم يسم علم هذا الكلام "باللغة"، ولم يعرف في زمنه إلا "العربية" للنحو وإلا "الغريب" لمثل ما يسميه المتأخرون بالكلام اللغوي ...
نقل الجاحظ في "البيان" أن غلامًا كان يقعر في كلامه، فأتى أبا الأسود يلتمس بعض ما عنده، فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟
قال: أخذته الحمى، فطبخته طبخًا، وفنخته فنخًا، وفضخته فضخًا، فتركتعه فرخًا!

[1] في وضع النحو أقوال كثيرة، والثقات مجمعون على أن أبا الأسود أخذه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن العلماء جميعًا أغفلوا ذكر التاريخ الذي كان فيه ذلك الوضع، وقد وقفنا على نص بلغت بنا الحيرة مبلغًا عنده، وذلك ما أورده ابن قتيبة في كتاب "المعارف" في ترجمة أبي مريم بن حبيش من التابعين "طبقة أبي الأسود"، فإنه قال فيه: "كان أعرب الناس، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية، وعاش 120 سنة" وعبد الله بن مسعود صحابي جليل توفي سنة 32هـ عن بضع وستين سنة.
ومقتضى هذه الرواية أن اللحن كان فاشيًا لذلك العهد حتى صار الإعراب الجيد يبين أهله، وأن العربية "النحو" كانت مقررة يومئذ، أي: قبل سنة 32 للهجرة، ولكن يبقى من الإشكال قول ابن قتيبة إن ابن حبيش كان أعرب الناس، وذلك في زمن كان فيه علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو الأسود وغيرهم من الصحابة وسائر العرب، وإن ابن مسعود كان يرجع إليه دولة أبي الأسود نفسه، وذلك غريب إن لم يكن منكرًا.
والذي عندنا أن في رواية ابن قتيبة تحريفًا، وأن الذي كان يرجع إلى ابن حبيش هو عبيد الله بن مسعود، أحد السبعة المدنيين الذين أخذ عنهم الفقه، وهو من أجلة التابعين، كان مشهورًا بكثرة العلم وفنونه، وتوفي سنة 102هـ، وهو ولد ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي، وبذلك ينحل الإشكال، والله أعلم.
أما تاريخ وضع النحو فلا سبيل إلى تحقيقه ألبتة.
[2] قال الجاحظ: أبو الأسود الدؤلي معدود في طبقات من الناس، وهو في كلها مقدم ومأثور عنه الفضل في جميعها: كان معدودًا في التابعين، والفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحويين، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف، والبخر الأشراف.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 210
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست