اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 189
ولم نعثر في كل ما وقفنا عليه على سند في إحدى الروايات يتصل بالجاهلية، وإنما وقفنا من ذلك على شيء لبعض الشعراء، كالذي نقله علي بن حمزة في كتاب "أغاليط الرواة" قال: إن رؤبة بن العجاج الراجز "توفي سنة 145هـ عن سن عالية" سئل عن قول امرئ القيس:
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرك لامين على نابل1
فقال: حدثني أبي عن أبيه، قال: حدثتني عمتي وكات في بني درام، قالت: سألت امرأ القيس وهو يشرب طلى "خمرًا" له مع علقمة بن عبيدة: ما معنى قولك: كرك لامين؟ مررت بنابل وصاحبه يناوله، فما رأيت أسرع منه، فشبهت به.
وخبر آخر، وهو ما نقلوا عن حماد الراوية أنه قال: كانت للكميت "الشاعر المتوفى سنة 126هـ" جدتان أدركتا الجاهلية، فكانتا تصفان له البادية وأمورها، وتخبرانه بأخبار الناس في الجاهلية: فإذا شك في شعر أو خبر عرضه عليهما فتخبرانه عنه؛ فمن هناك كان علمه.
والله أعلم بأمر هاتين الروايتين وأين تقعان من الصحة.
1 اختلف علماء الشعر في شرح هذا البيت، حتى تحدث الأصمعي عن أبي عمرو وقال: كنت أسال منذ ثلاثين سنة عن هذا البيت فلم أجد أحدًا يعلمه، حتى رأيت أعرابيا بالبادية فسألته عنه ففسره لي.
ومعنى نطعنهم سلكى أي: طعنًا مستويًا، وقيل: السلكى: على القصد أمام وجهك، والمخلوجة: المعوجة عن يمين وشمال، والكر أي: الرد، واللامان: السهمان، والنابل: صاحب النبل.
وقال القتيبي: إنما هو "كر: كلامين" أي: تكرير كلام، بمعنى قول القائل للرامي، ارم ارم، أي: ليس بين الطعنة والطعنة إلا بمقدار اللفظتين، وقال زيد بن كندة: يريد أنه يطعن طعنتين مختلفتين ويوالي بينهما كما يوالي هذا القاتل بين هاتين الكلمتين.
فائدة الإسناد إلى الرواة:
مما تقدم تعلم أنه لولا الحديث لما خلصت اللغة، ولجاءت مشوبة بالكذب والتدليس، ولفسد هذا العلم وما بني عليه، وذلك قليل من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونضرته، غير أنا رأينا قومًا ممن يردون على الرواية ويتحكمون على السماع بالغرض مجردًا من النصفة، وبالرأي مستهترين به دون أن يجعلوا له نصيبًا من التثبت والتوقي, يجحدون فائدة الإسناد ولا يرون له خطرًا كبيرًا، ثم لا يجدون في سلسلة تلك الأسماء التي توصل بها الأخبار إلا لغوًا تاريخيا, ومنهم من يرى أن ذلك إنما جاء من أثرة الرواة ومحبتهم أن تبقى أسماؤهم مذكورة متدارسة، فكأنهم دسوا تراجمهم في العلوم لتبقى ببقائها، وأن ذلك من حبائل ثقفهم وفطنتهم..... إلى آخر ما يعقدون فيه أعناقهم من مثل هذه الآراء التي يموهون بها على قصار النظر، وذوي العقول المدخولة؛ وهؤلاء وأشباههم كمن ينظرون إلى الدوحة الباسقة من أعلاها فيحسبونها قد نبتت من السماء؛ لأنهم لم يستقروا تاريخ الإسناد، ويظنون أن هذه العلوم المسندة قد دفعت للناس على الكفاية, ووقعت إليهم على قريب من التمام، فهي هي في الكتب وفي الصدور، لم يعترضها عارض ولا دخل عليها وهن ولا فساد.
وفريق آخر رأيناهم ينكرون كل ما جاءت به الروايات ويتهمون الكتب ويطعنون على الإسناد،
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق الجزء : 1 صفحة : 189