responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 137
بالإسلام حالت أحوال ونسخت ديانات وأبطلت أمور ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخرى بزيادات زيدت وشرائع شرعت وشرائط شرطت، فعفّى الآخر الأول، فكان مما جاء في الإسلام ذكر المؤمن، والمسلم، والكافر والمنافق؛ وإن العرب إنما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان، وهو التصديق، ثم زادت الشريعة شرائط وأوصافًا بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمنًا؛ وكذلك الإسلام والمسلم: إنما عرفت منه إسلام الشيء، ثم جاء في الشرع من أوصافه ما جاء؛ وكذلك كانت لا تعرف من الكفر إلا الغطاء والستر؛ فأما المنافق فاسم جاء به الإسلام لقوم أبطنوا غير ما أظهروه، وكان الأصل من نافقاء اليربوع[1].
ومن هذا الضرب كل ما استحدثه أهل العلوم والصناعات من الأسماء: كمصطلحات الفقه والنحو والعروض وغيرها مما يكون له اسمان: لغوي وصناعي، والأصل في جميع ذلك الألفاظ الشرعية التي نقلها النبي صلى الله عليه وسلم من اللغة إلى الشرع كما رأيت.
وقد كان مثل هذا النقل المجازي في الجاهلية أيضًا؛ لأنه سبب من أعظم الأسباب في نمو اللغة كما تقدم في موضعه، ولكن لم ينسب من ذلك شيء لناقل معين فيما علمنا. إلا كلمة واحدة ذكرها الجاحظ في كتاب "الحيوان"، وهي فيما يقال: إن أول من سمى الأرض التي لم تحفر قط ولم تحرث إذا فعل بها ذلك "مظلومة" النابغة.... وقد تبعه العرب على ذلك، ومنه قيل: سقاء مظلوم، إذا أعجل عليه قبل إدراكه[2]. وقال الجاحظ في جزء آخر من "الحيوان" وقد ذكر هذه الكلمة: إن النابغة ابتدأ هذا الاسم على الاشتقاق من أصل اللغة، وإن العرب اجتمعت على تصويبه وعلى اتباع أثره.
ومما يلتحق بفصل الألفاظ الإسلامية، كلمات عربية كرهوا النطق بها في الإسلام، كأنهم من خوفهم على العرب أن يعودوا في شيء من أمر الجاهلية احتاطوا فمنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى متعلق. وأصل ذلك ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم نحو قوله: "لا يقولن أحدكم لمملوكه: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتاي وفتاتي؛ ولا يقولن المملوك: ربي وربتي، ولكن يقول: سيدي وسيدتي". وعلة هذا المنع ظاهرة؛ ولكن فيما كرهوه أشياء جاءت بها الروايات ولا تعرف وجوهها. قال الجاحظ: "ولم نسمع في ذلك أكثر من الكراهة، ولو كانوا يروون الأمور مع عللها وبرهاناتها خفت المؤنة، ولكن أكثر الروايات مجردة، وقد اقتصروا على ظاهر الرواية دون حكاية العلة دون الإخبار عن البرهان وإن كانوا قد شاهدوا النوعين مشاهدة واحدة". ومن ذلك قول ابن مسعود وأبي هريرة: "لا تسبوا الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم" وقد رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ورووا عن ابن عباس أنه قال: "لا تقولوا: والذي خاتمه على فمي، فإنما يختم الله عز وجل على فم الكافر". ومما كرهه ابن عباس قولهم: قوس قزح، وقال: قزح شيطان. فكأنه كره ما كانوا عليه من عادات الجاهلية في الإضافة إلى الأصنام.

[1] ذكروا أن اليربوع يحفر في جحره طريقًا يكتمها تسمى "النافقاء" ويظهر طريقًا مخالفة لها تسمى "القاصعاء" فإذا أتى من جهة الطريق الظاهرة ضرب النافقاء برأسه فانتفق ونجا. وقد قيل إن النفاق لفظ حبشي معناه البدعة والضلالة، وهو في الحبشة من الألفاظ النصرانية.
[2] المراد: الوطب يسقى منه اللبن قبل أن يروب.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست