responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 135
ولا قائلًا "زودا" ليعجل صاحبي ... "وبستان"[1] في قولي علي كبير2
ولا تاركا لحني لأتبع لحنهم ... ولو دار صرف الدهر حيث يدور
على أن من الأعراب من كان يستظرف بعض الكلمات الأعجمية فيقحمها في شعره على جهة التملح والاستظراف، ونقل الجاحظ من ذلك بعض أبيات في كتابه "البيان".
ثم لما انقضت الدولة الأموية وهي بقية العهد العربي، أقبل العباسيون على اتخاذ البطانة من الفرس والديلم وغيرهم، وهم الذين كانت لهم اليد في بث العلوم واتخاذ المترجمين ونقل الكتب عن الفارسية والهندية واليونانية مما سنفصله في مكانه، فابتدأت من ثم صنعة التعريب، وداخلت اللغة كلمات كثيرة من مصطلحات العلوم: كالطب والفلك والهندسة ونحوها.
ولما أنشأ المأمون دار التعريب التي سماها "دار الحكمة" وهي دار كتبه العظيمة، أرصد فيها علماء لتهذيب الكتب المترجمة وتوجيه الأسماء المعربة من الأعلام والأجناس على ما يناسب المنطق العربي، فكانوا ينحون في ذلك منحى العرب، ويتصرفون في الأسماء بالتغيير والإبدال والحذف، وهذا هو وجه الصعوبة في التعريب؛ لأنه لا ضابط له ولأن الألفاظ العربية محصورة الأوضاع محدودة الصيغ، لا تقبل الزيادة عليها إلا منها، ولا يمكن أن تقحم فيها الألفاظ الأجنبية إلا بعد أن تجانسها وتؤاخيها.
ومن أمثلة هذا التغير الذي جرى عليه العرب ومن بعدهم في أسماء الأعلام: يحيى في يوحنا، وقابيل في قابين، وعيسى في إيسوس[3] وطالوت في جليات، والضحاك في ده آك، والأشكري في أسكاريس، وشمشقيق في زيميلساس وسجسطيلوس في سكستيلس، وأشبيلية في هسياليس، وطليطلة في تولاده، وغير ذلك كثير تطفح به كتبهم.
وهذا التغيير الذي لا ضابط له كان سببًا من أسباب الإفساد والتحريف في الكتب؛ حتى لقد تجد الاسم الواحد يتقلب على صور شتى، وبذلك تضيع حقيقته التاريخية: كفيلبس أبي الإسكندر، فإنك تجده في كتب التاريخ العربية: فيلقوس، وفيلثوس وفيلنوس، وفيلبوس، وقنلتوس؛ وقد جاء في تاريخ القرماني: أفطياقوس في أنطيخوس، ثم جاء هذا الاسم في موضع آخر من التاريخ نفسه على هذه الصورة: أبطيحش....
ومن مثل هذا الاختلاف الذي لا بد منه تنبه ابن خلدون حين اعتزم وضع تاريخه المشهور إلى وجوب ضبط هذه الأسماء الأعجمية على وجوهها التي تلفظ بها في لغاتها، فاصطلح لذلك على وضع جديد في الكتابة سنذكره في الكلام على الخط ما كان عند علماء العرب من مثله.
لم يكد ينقضي عصر التعريب العلمي عند العباسيين بعد أن دالت الدولة وتراخت الهمم، حتى

[1] شنبذ من قولهم: شون بوذ؛ أي: "كيف"؟ يعنون الاستفهام. وزود: عجل، وبستان: خذ.
2 كذا في الأصل ولم نقف على صوابها.
[3] إيسوس: تحريف "يشوع" باليونانية، وقد حذفوا آخره فصار إيسو، وعرب عيسى.
اسم الکتاب : تاريخ آداب العرب المؤلف : الرافعي ، مصطفى صادق    الجزء : 1  صفحة : 135
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست