اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 64
بذلك تعريفه بما سبق[1].
وذلك قد يكون ظاهرا؛ كما في قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [البقرة:16] أي: فما ربحوا في تجارتهم، وقد يكون خفيا لا يظهر إلا بعد نظر وتأمل؛ كما في قولك: "سرتني رؤيتك" أي: سرني الله وقت رؤيتك، كما تقول: أصل الحكم في "أنبت الربيع البقل": أنبت الله البقل وقت الربيع، وفي "شفى الطبيب المريض": شفى الله المريض عند علاج الطبيب، وكما في قوله: "أقدَمَني بلدك حق لي على فلان" أي: أقدمتني نفسي بلدك لأجل حق لي على فلان، أي: قدمتُ لذلك، ونظيره: "محبتك جاءت بي إليك" أي: جاءت بي نفسي إليك لمحبتك، أي: جئتك لمحبتك، وإنما قلنا: إن الحكم فيهما مجاز؛ لأن الفعلين فيهما مسندان إلى الداعي[2]، والداعي لا يكون فاعلا. وكما في قول الشاعر "مجزوء الوافر":
وصيرني هواك وبي ... لِحَيْني يُضرَب المثل3
أي: وصيرني الله لهواكِ وحالي هذه، أي: أهلكني الله ابتلاء بسبب هواك.
وكما في قول الآخر, وهو أبو نُواس "مجزوء الوافر": [1] يرد بهذا على ما يفيده ظاهر كلام عبد القاهر من أن الفعل المبني للفاعل في المجاز العقلي لا يجب أن يكون له فاعل حقيقي، كما في قولك: "سرتني رؤيتك"، والخلاف في هذا لا ثمرة له ولا يصح الاشتغال به في علم البلاغة، ولا يريد عبد القاهر إلا أن العرف في مثل هذا لم يجرِ بإسناد الفعل إلى الفاعل الحقيقي؛ فلا يقال فيه: سرني الله عند رؤيتك. [2] يعني: الداعي إلى الفعل، وهو السبب.
3 هو -كما في الأغاني- لأبي عبد الله محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، وقيل: إنه لابن البواب، وقبله:
أتيتكِ عائذا بك منـ ... ـكِ لما ضاقت الحيل
وبعده:
فإن ظفرت بكم نفسي ... فما لاقيته جلل
وإِنْ قتل الهوى رجلا ... فإني ذلك الرجل
والحين في الأصل: الهلاك، استُعير لما وصل إليه من سوء الحال في هواه.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 64