اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 63
"أشاب الصغير ... "[1] البيت.
دقة مسلكه: واعلم أنه ليس كل شيء يصلح لأن تتعاطى فيه المجاز العقلي بسهولة، بل تجدك في كثير من الأمر تحتاج إلى أن تهيئ الشيء وتصلحه له بشيء تتوخاه في النظم؛ كقول من يصف جملا "من الطويل":
تجوب له الظلماء عين كأنها ... زجاجة شرب غير ملأى ولا صفر2
يريد أنه يهتدي بنور عينه في الظلماء، ويمكنه بها أن يخرقها ويمضي فيها، ولولاها لكانت الظلماء كالسد الذي لا يجد السائر شيئا يفرجه به، ويجعل لنفسه فيه سبيلا، فلولا أنه قال: "تجوب له" فعلق "له" بـ "تجوب" لما تبين جهة التجوز في جعل الجَوْب فعلا للعين كما ينبغي؛ لأنه لم يكن حينئذ في الكلام دليل على أن اهتداء صاحبها في الظلمة ومضيه فيها بنورها، وكذلك لو قال: "تجوب له الظلماء عينه" لم يكن له هذا الموقع، ولا نقطع السلك من حيث كان يعيبه حينئذ أن يصف العين بما وصفها به[3].
الخلاف في استلزامه الحقيقة:
واعلم أن الفعل المبني للفاعل في المجاز العقلي واجب أن يكون له فاعل في التقدير، إذا أسند إليه صار الإسناد حقيقة؛ لما يُشعر [1] أي: الصلتان العبدي فيما سبق ص55.
2 لا يعلم قائله، وقبله:
تناس طلاب العامرية إذ نأت ... بأسجح مرقال الضحا قلق الضفر
إذا ما أحسته الأفاعي تخيرت ... شواة الأفاعي من مكلمة سمر
والشرب: جمع شارب، والصفر: الخالية، والمجاز في إسناد "تجوب" إلى العين، وإنما قيد الزجاجة بكونها غير ملأى ولا صفر؛ لأن العين إنما تشبهها في هذه الحالة. [3] لأن تنكيرها هو الذي هيأ له وصفها به.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 63