اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 57
لخروج ما يطابق الواقع دون اعتقاد المتكلم، وما لا يطابق شيئا منهما منه مع كونهما حقيقتين عقليتين كما سبق[1].
وقال[2]: "المجاز العقلي هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه؛ لضرب من التأول، إفادة للخلاف، لا بواسطة وضع"؛ كقولك: "أنبت الربيع البقل، وشفى الطبيب المريض، وكسا الخليفة الكعبة". قال: وإنما قلت: "خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه" دون أن أقول: "خلاف ما عند العقل"؛ لئلا يمتنع طرده بما إذا قال الدهري[3] عن اعتقاد جهل، أو قال جاهل غيره: "أنبت الربيع البقل" رائيا إنباته من الربيع؛ فإنه لا يسمى كلامه ذلك مجازا وإن كان بخلاف العقل في نفس الأمر، واحتج ببيت الحماسة[4] وقول أبي النجم على ما تقدم.
ثم قال: "ولئلا يمتنع عكسه "كسا الخليفة الكعبة، وهزم الأمير الجند" فليس في العقل امتناع أن يكسو الخليفة نفسه الكعبة، ولا أن يهزم الأمير وحده الجند،
= الإسناد إلى المبتدأ على أنه قد ذكر من أمثلة الحقيقة العقلية فيما سبق -خالق الأفعال كلها هو الله- وهذا الجواب لا يأتي فيه، وقد ذكر عبد القاهر من المجاز العقلي قول الخنساء "البسيط":
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
وهذا مبتدأ وخبر، وإنما جعله مجازا؛ لأن كلا من الإقبال والإدبار لم يحمل على الناقة حمل مواطأة وإن كان وصفا لها, وعبد القاهر حجة في هذا الفن. وقد قيل: إنه مجاز مرسل من إطلاق الصفة وإرادة الموصوف، وقيل: إنه على حذف مضاف تقديره: ذات إقبال، والحق أنه لا داعي إلى هذا التكلف؛ لأنها تقصد المبالغة بالإخبار بالمصدر من غير تأويل أو حذف، ويمكن أن يؤخذ من اقتصار الخطيب على الاعتراض بمثل "الإنسان حيوان" أن الذي لا يسمى عنده حقيقة ولا مجازا هو الذي يكون الخبر فيه جامدا لا فعلا أو في معناه، ولكنهم قالوا: إن مذهبه أعم من ذلك. [1] لأنهما دخلا في تعريفه لها بزيادته قيد "في الظاهر"، وقد أهمله السكاكي. [2] المفتاح ص208. [3] هو من ينسب الأفعال إلى الدهر. [4] هو بيت الصلتان العبدي السابق.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 57