اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 24
فالملكة قسم من مقولة الكيف التي هي هيئة قارّة لا تقتضي قسمة ولا نسبة[1]، وهو مختص بذوات الأنفس، راسخ في موضوعه.
وقيل: "ملكة" ولم يُقَل: "صفة"؛ ليشعر بأن الفصاحة من الهيئات الراسخة؛ حتى لا يكون المعبر عن مقصوده بلفظ فصيح فصيحا إلا إذا كانت الصفة التي اقتُدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح راسخة فيه، وقيل: "يقتدر بها" ولم يقل: يعبر بها؛ ليشمل حالتي النطق وعدمه، وقيل: "بلفظ فصيح" ليعم المفرد والمركب.
بلاغة الكلام:
وأما بلاغة الكلام فهي: مطابقته لمقتضى الحال[2] مع فصاحته[3].
ومقتضى الحال مختلف؛ فإن مقامات[4] الكلام متفاوتة؛ فمقام التنكير يباين مقام التعريف، ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد، ومقام التقديم يباين مقام التأخير، [1] خرج بهذا القيد مقولة الكم؛ كالعدد، وكذلك مقولة بالإضافة، كالأبوة، وهذا تعريف فلسفي للكيفية، وهي صفة وجودية إن اختصت بالنفس الناطقة فهي نفسانية، فإن رسخت بتوالي أمثالها فهي ملكة، وهذا التعريف أليق بعلوم البلاغة. [2] الحال: هو الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما، ومقتضى الحال: هو تلك الخصوصية، ومطابقة الكلام له: بمعنى اشتماله عليه، فإذا كان المخاطب ينكر قيام زيد مثلا، فإنكاره حالٌ يدعو المتكلم إلى أن يخبره بقيامه مؤكدا: "إن زيدا قائم"، وتأكيد الخبر هو "مقتضى الحال". [3] فصاحته تكون بخلوّه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، على ما سبق في بيان فصاحة الكلام، وهذا قيد يخرج به كل كلام غير فصيح، فلا يكون بليغا وإن كان مطابقا لمقتضى الحال. ويجب عندي أن يزاد فيها قيد آخر, أي: مع فصاحته وأصالته؛ لأن المعنى إذا لم يكن أصيلا لم يكن بليغا، على نحو ما يأتي في السرقات الشعرية آخر الكتاب، وبهذا يكون الكلام فيها عندي من علم المعاني. [4] المقامات: جمع مقام, وهو اسم مكان من "قام"، والمراد به الحال السابق؛ وذلك أن البلغاء كانوا يلقون خطبهم وأشعارهم وهم قيام، فأُطلق المقام على الحال الداعي إليها؛ لأنه سبب فيه.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 24