اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 212
فيقدم المفعول على الفاعل إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل على من وقع عليه، لا وقوعه ممن وقع منه؛ كما إذا خرج رجل على السلطان وعاث في البلاد وكثر منه الأذى، فقُتل، وأردت أن تخبر بقتله، فتقول: "قَتَلَ الخارجيَّ فلانٌ" بتقديم "الخارجي"؛ إذ ليس للناس فائدة في أن يعرفوا قاتله، وإنما الذي يريدون علمه هو وقوع القتل به ليخلُصوا من شره.
ويقدم الفاعل على المفعول: إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل ممن وقع منه، لا وقوعه على من وقع عليه، كما إذا كان رجل ليس له بأس ولا يُقدّر فيه أن يَقتل، فقتل رجلا، وأردت أن تخبر بذلك، فتقول "قتل فلان رجلا" بتقديم القاتل؛ لأن الذي يعني الناس من شأن هذا القتل ندوره وبعده من الظن، ومعلوم أنه لم يكن نادرا ولا بعيدا من حيث كان واقعا على من وقع عليه، بل من حيث كان واقعا ممن وقع منه.
وعليه قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] ، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31] ، قدم المخاطبين[1] في الأولى دون الثانية؛ لأن الخطاب في الأولى للفقراء، بدليل قوله تعالى: {مِنْ إِمْلَاقٍ} ، فكان رزقهم أهم عندهم من رزق أولادهم، فقدم الوعد برزقهم على الوعد برزق أولادهم، والخطاب في الثانية للأغنياء بدليل قوله: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} ؛ فإن الخشية إنما تكون مما لم يقع؛ فكان رزق أولادهم هو المطلوب دون رزقهم؛ لأن حاصل، فكان[2] أهم؛ فقدم الوعد برزق أولادهم على الوعد برزقهم.
وإما لأن في التأخير إخلالا ببيان المعنى؛ كقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ [1] يعني غيرهم في قوله: {نَرْزُقُكُمْ} في الأولى، وقوله: {وَإِيَّاكُمْ} في الثانية. [2] أي: رزق أولادهم.
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 212