اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 210
اختصاصه بالعرب دون العجم؛ لانحصار الناس في الصنفين، ومن الثاني[1] اختصاصه بالإنس دون الجن؛ لانحصار من يُتصوّر الإرسال إليهم من أهل الأرض فيهما. وعلى تقدير الاستغراق لا يلزم شيء من ذلك؛ لأن التقديم لما كان مفيدا لثبوت الحكم للمقدَّم ونفيه عما يقابله؛ كان تقديم "للناس" على "رسولا" مفيدا لنفي كونه رسولا لبعضهم خاصة[2]؛ لأنه هو المقابل لجميع الناس، لا لبعضهم مطلقا ولا لغير جنس الناس[3].
وكذلك يُذْهَب في معنى قوله تعالى: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: [4]] إلى أنه تعريض بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب فيما يقولون: "إنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وإنه لا تمسهم النار فيها إلا أياما معدودات، وإن أهل الجنة لا يتلذذون في الجنة إلا بالنسيم والأرواح العَبِقة والسماع اللذيذ"[4] ليست الآخرة[5] وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء، أي: بالآخرة يوقنون لا بغيرها كأهل الكتاب.
ويفيد التقديم في جميع ذلك -وراء التخصيص- اهتماما بشأن المقدم؛ ولهذا قدر المحذوف في قوله: {بِسْمِ اللَّهِ} مؤخرا، وأورد قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: [1]] فإن الفعل فيه مقدم، وأجيب بأن تقديم الفعل هناك[6] أهم؛ لأنها أول سورة نزلت. وأجاب السكاكي[7] بأن {بِاسْمِ رَبِّكَ} متعلق بـ "اقرأ" الثاني[8]، ومعنى الأول: افعل القراءة وأوجِدها، على نحو ما تقدم في قولهم: "فلان يعطي ويمنع"، يعني: إذا لم يُحمَل على العموم[9], وهو بعيد[10]. [1] كونه للجنس. [2] يعني قومه من العرب؛ لأنهم هم الذين يتوهم أنه أُرسل إليهم دون غيرهم. [3] لأن كلا منهما لا يقابل جميع الناس، وإنما يقابل الأول تعريف العهد، ويقابل الثاني تعريف الجنس. هذا, ويجوز أن يكون "للناس" متعلقا بقوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ} فلا يكون فيه تقديم، ولا تتعين اللام فيه للاستغراق وإن كان هو الظاهر. [4] لأنهم ينكرون أن تكون فيها لذائذ جسمانية. [5] جملة "ليس" واسمها وخبرها خبر "أن" في قوله: "بأن الآخرة ... إلخ". [6] أي: في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} . [7] المفتاح ص127. [8] في قوله بعده: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} . [9] أي: العموم في المفعول؛ فإن السكاكي يجعله محتملا للعموم في المفعول، وللعموم في أفراد الفعل، وعلى هذا يكون "اقرأ" الأول منزلا منزلة اللازم. [10] لأنه خلاف ظاهر نظم الآيتين؛ لبعد ما بين "اقرأ" الثاني والجار والمجرور الذي يراد تعليقه به.
هذا، وقد يأتي التقديم لأغراض أخرى: منها مجرد الاهتمام، وقصد التبرك، والالتذاذ، وموافقة كلام السامع، ونحو ذلك، كقولك: "العلم طلبت، ومحمدا اتبعت, وليلى أحببت" ومن ذلك قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 84] .
اسم الکتاب : بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة المؤلف : الصعيدي، عبد المتعال الجزء : 1 صفحة : 210