responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 62
هو الذي جعل كثيرا من مظاهر الريف حافلا بالمعاني، بل هو الذي خلق ذلك الاتجاه " الرعوي " الذي وصفناه من قبل، ولكنه ليس هو وحده الذي أسلم السياب إلى معانقة الوهم والسراب، وتحول بشعره إلى " مرثية " مديدة النفس، وجعله صورة للبحث عن شيء ضائع إلى الابد؛ انما الذي فعل ذلك هو استقطاب التجارب مجتمعة بعد إخفاق إثر إخفاق، ولن تتجسم فكرة البحث عن " الزمن الضائع " لدى السياب، ولن ينضج تصوره العميق لأبعاد ذلك الضياع إلا حين يصطدم بحب من يسميها " المنتظرة "، وتلك حقيقة لا تجعل انتهاء العهد بحبيبته الريفية نقطة تحول هامة، إذ مرت على السياب سنوات بعد فقدانه لريفيته السمراء وهو ما يزال يتشبث بالبحث عن فتاته المنتظرة، وحين وجدها وفقدها؟ حينئذ فقط - ارتسمت المسافة المديدة بينه وبين الدنيا التي تستطيع أن تتقبله عاشقا أو معشوقا أو طفلا في حاجة إلى حنان، فأخذ يمشي؟ وهو مسمر القدمين - ليعبر ذلك الجسر الذي يفصل؟ أو يصل - بينه وبين تلك الدنيا.
ومن الحق أن صورة تلك الفتاة الريفية لم تعد تخايله إلا حين فقد ذات المنديل الاحمر، هنالك وقف يتأمل الماضي ويؤرخ ذكرياته، فوجد نفسه أمام تجربتين هما في الحقيقة تجربة واحدة مكررة، فقد أدرك في لحظة من التأمل انه لم يحب فتاة الكلية إلا لأنها كانت صورة أخرى من فتاة الريف، وتمثل لنفسه انه هتف حين رأى ذات المنديل الأحمر [1] :
أما كنت ودعت العيون ... الظليلات والخصلة النافرة
كأني ترشفت قبل الغداة ... سنا هذه النظرة الآسرة
أما كان في الريف كهذا ... أما تشبه الربة الغابرة؟

[1] من قصيدة " أهواء " في أزهار وأساطير: 26 (وتاريخها 1/2/1947) .
اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 62
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست