responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 167
العينين، وأراد أن يرسم صورة مقابلة لامرأة ذات حرفة كحرفة الحفار؛ وجعل استرداد الحفار لماله موضع سخرية بهذه القوة العمياء التي توجه أمثال هذين المسوقين في طريق الحياة دون أن يعرفا لم وكيف. فالسياق الظاهري يعتمد قصة صغيرة لا تصلح ان تكون موضوعا فنيا، وإذا لم تكن تلك القصة ذات بعد رمزي فمعنى ذلك أنها أخفقت إخفاقا كليا. وقد نرجع إلى الرمز الذي أشرت إليه من قبل، فنجعل حفار القبور صورة للطاغية في الأمة الذي لا يعيش إلا بموت الآخرين والمرأة رمزا لتلك الأمة التي يمتص الحفار دمها ويسترجع ما أعطاه لها، ولكن تخليص هذا البعد الرمزي من ذلك الإسراف المتلذذ في وصف النزوات ومن تضاعيف التصوير الواقعي لبيوت البغايا أمر مشوب بالتعسف ولهذا فان الشاعر؟ مهما يبعد في الأخذ بالرموز - لم يكن على وعي بأن لقصيدته بعدا داخليا، ولو كان الأمر كذلك لاكتفى باللمحات بدل الصور التفصيلية.
ويتبقى بعد ذلك المحمل النفسي الذي تمثله القصيدة، فتجربة حفار القبور مستمدة من تجربة الشاعر الواقعية؟ الفتى البائس الذي لا يكاد يجد قدرا من المال في جيبه حتى يسرع ليطفئ ظمأه إلى الخمر والمرأة، فهو يتشفى بالأنحاء على هذه التجربة مثلما يبني في تضاعيفها صورة أخرى من الثورة على الأب، ومن الارتباط نفسيا بقبر الام أو بالعودة إلى الرحم، وفيما كان الشاعر يمزج بين ثورته على اللذات وثورته على الأب كان يحاول ان يخرج إلى مرحلة من " التسوية " المريحة، فالقصيدة جاءت تنفيسا وزحزحة للخناق الذي يشد على عنق الشاعر.
وإذا عديت عن هذه الغاية التي حققها القصيدة وجدت بناءها سهلا مسترسلا يشبه قصة قليلة الأحداث، ولما وجد الشاعر أن البناء لا يكلفه جهدا كثيرا، صرف ما ادخره من جهد في الناحية التصويرية

اسم الکتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 167
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست