وقليل أن ينال حظه من إكرامها وإجلالها إلا بعد أن تتجرع مرارة دوائه، وتشعر بحلاوة الشفاء، بعد مرارة ذلك الدواء.
الدعاء في هذه الأمة كثيرون ملء الفضاء، وكظة[1] الأرض والسماء، ولكن لا يكاد يوجد بينهم داع واحد؛ لأنه لا يوجد بينهم شجاع.
أصحاب الصحف وكتاب الرسائل والمؤلفون وخطباء المجامع وخطباء المنابر كلهم يدعون إلى الحق وكلهم يعظون وينصحون ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكن لا يوجد بينهم من يستطيع أن يحمل في سبيل الدعوة ضرا، أو يلاقي في طريقها شرا.
رأيت الدعاة في هذه الأمة أربعة، رجل يعرف الحق ويكتمه عجزا وجبنا، فهو ساكت طول حياته لا ينطق بخير ولا شر، ورجل يعرف الحق وينطق به، ولكنه يجهل طريق الحكمة والسياسة في دعوته فيهجم على النفوس بما يزعجها وينفرها، وكان خيرا له لو صنع ما يصنعه الطبيب الماهر الذي يضع الدواء المر في "برشامة" ليسهل تناوله وازدراده، ورجل لا يعرف حقا ولا باطلا، فهو يخبط في دعوته خبط الناقة العشواء في مسيرها, فيدعو إلى الخير والشر والحق والباطل والضار والنافع في موقف واحد، [1] الكظة البطنة.