عبرة الهجرة:
إن في أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وسجاياه التي لا تشتمل على مثلها نفس بشرية ما يغنيه عن كل خارقة تأتيه من الأرض أو السماء، أو الماء أو الهواء.
إن ما كان يبهر العرب من معجزات علمه وحلمه، وصبره واحتماله، وتواضعه وإيثاره، وصدقه وإخلاصه، أكثر مما كان يبهرهم من معجزات تسبيح الحصى وانشقاق القمر، ومشى الشجر، ولين الحجر؛ ذلك لأنه ما كان يريبهم في الأولى ما كان يريبهم في الأخرى من الشبه بينها وبين عرافة العرافين وكهانة الكهنة وسحرة السحرة، فلولا صفاته النفسية وغرائزة وكمالاته ما نهضت له الخوارق بكل ما يريد، ولا تركت المعجزات في نفوس العرب ذلك الأثر المعروف، ذلك هو معنى قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} .
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شجاع القلب فلم يهب أن يدعو إلى التوحيد قوما مشركين يعلم أنهم غلاظ جفاة شرسون