كان في مبدأ خلقه يمشي عريانا أو يلبس لباسا واسعا يشبه أن يكون ظلة تقيه لفحة الرمضاء، أو هبة النكباء، فوضعوه في القماط كما يضعون الطفل, وكفنوه كما يكفنون الموتى, وقالوا له هكذا نظام الأزياء.
كان يأكل ويشرب كل ما تشتهيه نفسه, وما يلتئم مع طبيعته, فحالوا بينه وبين ذلك, وملئوا قلبه خوفا من المرض أو الموت وأبوا أن يأكل أو يشرب إلا كما يريد الطبيب, وأن يتكلم أو يكتب إلا كما يريد الرئيس الديني أو الحاكم السياسي, وأن يقوم أو يقعد أو يمشي أو يقف أو يتحرك أو يسكن إلا كما تقضي به قوانين العادات والتقاليد.
لا سبيل إلى السعادة في الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حرا مطلقا, لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطر إلا أدب النفس.
الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محروما منها عاش في ظلمة حالكة يتصل أولها بظلمة الرحم، وآخرها بظلمة القبر.
الحرية هي الحياة ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيء بحياة اللعب المتحركة في أيدي الأطفال بحركة صناعية.