اسم الکتاب : المعارك الأدبية المؤلف : أنور الجندي الجزء : 1 صفحة : 632
وأنا ممن يحبون أبا العلاء، وممن أطالوا قراءته في أول عهد الشباب، والدكتور طه لفرط حبه لأبي العلاء يتهم نفسه بمحاباته فيقول: "قل إني أوثر أبا العلاء وأحابيه وأرضى منه أشياء لا أرضاها من غيره فقد لا تخطئ ولا تبعد".
ومن المصادفات العجيبة أنني حابيت أبا العلاء على نحو قريب من هذا النحو، ولكن لم أسمها محاباه، بل إنها هي الإنصاف المعقول في قياس الأقوال بالقائلين.
فكلانا إذن يسمع القول من شيخ المعرة فيجعبه ويسمع القول نفسه من غير الشيخ فلا يحظى عنده بذلك الإعجاب، ولكن صديقنا الدكتور يسميها محاباة ومجاملة لصديق، وأنا أجري فيها عن سنتي الغالبة في كل شيء من التوفيق بين الحجة والعاطفة، فلا أبرح بالعاطفة حتى أقنع بها عقلي، وأثبت له أنها جديرة بإقراره، وترخيصه، فيعيش العقل والعاطفة معا في وئام, وأخلص بهذا عما يقع من ملام وصدام.
ويعرض العقاد لرأي طه حسين في أبي الطيب المتنبي أستاذ المعري وصاحبه الذي يقول فيه "أنا أقدر فن المتنبي وأعجب ببعض آثاره إعجابا لا حد له وأعجب ببعضها الآخر إعجابا متواضعا إن صح أن يتواضع الإعجاب وأمقت سائرها مقتا شديدًا ثم يقول:
الحق أنني أعجب لهذا النفور بين الدكتور وشاعرنا المعري الكبير وما أنا ممن يستحسنون كل شعره ولا كل عمله ولكني أزن ما زاده في ثروة الآداب العربية، وما زاده في شرور الحياة بسوء عمله وسوء خلقه، فاعلم أن الحياة لم تفسد بفساد المتنبي وأن الأدب قد صلح بصلاح شعره.
هنا أيضا أعود إلى العاطفة والحجة وأحسبني أقرب من الدكتور إلى وفاق الصداقة بيني وبين شيخ المعرة وأقرب إلى الإنصاف.
اسم الکتاب : المعارك الأدبية المؤلف : أنور الجندي الجزء : 1 صفحة : 632