اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 516
يا خل إنك إن توسّد لينّا ... وسّدت بعد اليوم صمّ الجندل»
فامهد لنفسك صالحا تسعد به ... فلتندمنّ غدا إذا لم تفعل
فانتبهت مرعوبا وخرجت من ساعتي هاربا إلى ربي كما تراني ثم أنشأ يقول:
من كان يعلم أن الموت يدركه ... والقبر مسكنه والبعث يخرجه
وأنّه بين جنات مزخرفة ... يوم القيامة أو نار ستنضجه
فكلّ شيء سوى التقوى به سمج ... ومن أقام عليه منه أسمجه «2»
ترى الذي اتخذ الدنيا له وطنا ... لم يدر أن المنايا سوف تزعجه
قال وهب بن منبه: أصبت على قصر غمدان وهو قصر سيف بن ذي يزن بأرض صنعاء اليمن وكان من الملوك الأجلة مكتوبا بالقلم المسندي فترجم بالعربي فإذا هي أبيات جليلة وموعظة عظيمة جميلة وهي هذه الأبيات:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تنفعهم القلل «3»
واستنزلوا من أعالي عزّ معقلهم ... فأسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا «4»
فإذا همو صارخ من بعد ما دفنوا ... أين الاسرّة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة ... وكان من دونها الأستار والكلل «5»
فافصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا ... فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلوا
وروي أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان معه صاحب في بعض سياحاته فأصابهما الجوع وقد انتهيا إلى قرية فقال عيسى عليه الصلاة والسلام لصاحبه: انطلق فاطلب لنا طعاما من هذه القرية، وأعطاه ما يشتري به، فذهب الرجل وقام عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي، فجاء بثلاثة أرغفة، فقعد ينتظر انصراف عيسى من الصلاة فأبطأ عليه، فأكل رغيفا وكان عيسى عليه الصلاة والسلام رآه حين جاء ورأى الأرغفة ثلاثة، فلما انصرف من صلاته لم يجد إلا رغيفين، فقال له: أين الرغيف الثالث؟ فقال الرجل:
ما كانا إلا رغيفين، فأكلاهما.
ثم مرّا على وجوههما حتى أتيا على ظباء ترعى فدعا عيسى عليه الصلاة والسلام واحدا منها، فجاءه فذكاه «6» وأكلا منه، فقال له عيسى: بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا اثنين.
ثم مرّا على وجوههما حتى جاءا قرية فدعا عيسى ربه أن ينطق له من يخبره عن حال هذه القرية، فأنطق الله له لبنة، فسألها عيسى فأخبرته بكل ما أراد. وصاحبه يتعجب مما رأى، فقال له عيسى: بحق من أراك هذه الآية: من صاحب الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا إثنين.
فمرّا على وجوههما حتى انتهيا إلى نهر عجاج، فأخذ عيسى صلوات الله عليه بيد الرجل ومشى به على الماء حتى جاوز النهر، فقال الرجل: سبحان الله. فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: بالذي أراك هذه الآية من صاحب الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا اثنين، فمرا على وجوههما حتى أتيا قرية عظيمة خربة، وإذا قريب منها ثلاث لبنات عظام، وقيل ثلاثة أكوام من الرمل، فقال لها:
كوني ذهبا بإذن الله، فكانت، فلما رآها الرجل قال: هذا مال، فقال عيسى: نعم واحدة لي وواحدة لك وواحدة لصاحب الرغيف الثالث، فقال الرجل: أنا صاحب الرغيف الثالث، فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: هي لك كلها، ثم فارقه عيسى.
وأقام الرجل ليس معه ما يحملها عليه، فمرّ به ثلاثة نفر فقتلوه، فقال اثنان منهما للثالث: انطلق إلى القرية فأتنا بطعام، فانطلق فلما غاب قال أحدهما للآخر: إذا جاء قتلناه واقتسمناه المال بيننا، قال الآخر: نعم، وأما الذي ذهب ليشتري الطعام فإنه أضمر لصاحبيه السوء، وقال أجعل لهما في الطعام سما فإذا أكلاه ماتا وآخذ المال لنفسي، فوضع السم في الطعام وجاء فقاما إليه فقتلاه
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 516