اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 338
لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
وأما النوم والسهر وما جاء فيهما:
فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل» .
وروي أن أم سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قالت: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن صاحب النوم يجيء يوم القيامة مفلسا، وكان زمعة بن صالح ليلا طويلا فإذا أسحر نادى أهله:
يا أيها الركب المعرّسونا ... أكلّ هذا الليل ترقدونا «1»
فيتواثبون بين باك وداع ومتضرع فإذا أصبح نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى.
(وأنشدوا) :
يا أيها الراقد كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل وساعاته ... حظّا إذا ما هجع الرقّد
من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى ... قنطرة الحشر لكم موعد
وقيل: أن نومة الضحى تورث الغم والخوف، ونومة العصر تورث الجنون.
وأنشد بعضهم:
ألا إن نومات الضحى تورث الفتى ... غموما ونومات العصير جنون
وعن العباس بن عبد المطلب أنه مرّ يوما بابنه وهو نائم نومة الضحى فوكزه برجله وقال له: قم لا أنام الله عينك أتنام في ساعة يقسم الله تعالى فيها الرزق بين العباد؟ أو ما سمعت ما قالت العرب أنها مكسلة مهزلة منسية للحاجة. والنوم على ثلاثة أنواع: نومة الخرق ونومة الخلق ونومة الحمق، فنومة الخرق نومة الضحى ونومة الخلق هي التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أمته فقال: قيلوا فإن الشياطين لا تقيل «2» ، ونومة الحمق النومة بعد العصر لا ينامها إلا سكران أو مجنون. وكان هشام بن عبد الملك يقول لولده: لا تصطبح بالنوم فإنه شؤم ونكد.
وقال الثوري لطبيب: دلني على شيء إذا أردت النوم جاءني، فقال: ادهن رأسك وأكثر من ذلك واتق الله.
وكان طاوس يقول: لأن تختلف السياط على ظهري أحب إليّ من أن أنام يوم الجمعة، والإمام يخطب. وكان شداد بن أوس يتلوى على فراشه كالحبة على المقلى ويقول: اللهم إن النار منعتني النوم.
وأنشدوا في المعنى:
غيرت موضع مرقدي ... يوما ففارقني السكون
قل لي فأوّل ليلتي ... في حفرتي أنى أكون
وأنشد أبو دلف:
أمالكتي ردّي عليّ رقاديا ... ونومي فقد شرّدته عن وساديا
أما تتقين الله في قتل عاشق ... أمتّ الكرى عنه فأحيا اللياليا
وأنشد أبو غانم الثقفي:
رقدت رقاد الهيم حتى لو انني ... يكون رقادي مغنما لغنيت «3»
فقيل: لمن هذا؟ فقال: لرقاد من رقاد العرب. وقيل:
إن نوم عبود يضرب به المثل، وكان عبود هذا عبدا أسود قيل إنه نام اسبوعا وقيل إنه تماوت على أهله وقال اندبوني لأعلم كيف تندبوني إذا أنا مت فسجي ونام وندب فإذا هو قد مات.
وأما الرؤيا:
فقد قيل فيها أقاويل وهو أنهم قالوا: إن النوم هو اجتماع الدم وانحداره إلى الكبد، ومنهم من رأى أن ذلك هو سكون النفس وهدوء الروح. ومنهم من زعم أن ما يجده الإنسان في نومه من الخواطر إنما هو من الأطعمة والأغذية والطبائع. وذهب جمهور الأطباء إلى أن الأحلام
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 338