اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 336
متى صحت صحّ البين وانقطع الرجا ... كأنّك من يوم الفراق على وعد
وأعرض بعضهم عن الغراب وتطير بالإبل، وسبب ذلك لكونها تحمل أثقال من ارتحل. وفي ذلك قال بعضهم مفردا أجاد:
زعموا بأن مطيّهم سبب النوى ... والمؤذنات بفرقة الأحباب
وقالوا: من تطير من شيء وقع فيه.
وحكي عن إبراهيم بن المهدي قال: أرسل إلى محمد بن زبيدة «1» في ليلة من ليالي الصيف مقمرة يقول:
يا عم إني مشتاق إليك فاحضر الآن عندنا، فجئته وقد بسط له على سطح زبيدة وعنده سليمان بن أبي جعفر وجاريته نعيم فقال لها: غنينا شيئا فقد سررت بعمومتي فغنت وهي تقول هذه الأبيات:
همو قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه «2»
بني هاشم كيف التواصل بيننا ... وجند أخيه سيفه ونجائبه
قال: فغضب وتطير وقال لها ما قصتك ويحك انتبهي وغني ما يسرني. فغنت تقول:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأكثر حزما منك ضرّج بالدم
فقال لها: ويحك ما هذا الغناء في هذه الليلة غنيّ غيره فغنت تقول هذه الأبيات:
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
تبكي فراقهم عيني فأرّقها ... إنّ التفرّق للمشتاق بكّاء
قال: فانتهرها وقال لها: قومي إلى لعنة الله فقالت:
والله يا مولاي لم يجر على لساني غير هذا وما ظننت إلا أنك تحبه. ثم إنها قامت من بين يديه وكان بين يديه قدح بلور وكان أبوه يحبه فأصابه طرف ردائها فانكسر. قال إبراهيم بن المهدي: فالتفت إلي وقال: يا عمي أرى أن هذا آخر أمرنا، فقلت: كلا بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرك فسمعت هاتفا يقول: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ
«3» . فقال لي: أسمعت ما سمعت يا عم؟
فقلت: ما سمعت شيئا وما هذا إلا توهم فإذا الصوت قد علا فقال: يا عم إذهب إلى بيتك فمحال أن يكون بعد هذا اجتماع. قال: فانصرفت من عنده وكان هذا آخر عهدي به.
وخرج أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلد الموصل، فلما أراد الدخول إليها اندق لواؤه في أول درب منها فتطير لذلك فأنشده أبو الشمقمق يقول:
ما كان مندّق اللواء لريبة ... تخشى ولا أمر يكون مبذّلا
لكنّ هذا الرمح ضعّف متنه ... صغر الولاية فاستقلّ الموصلا
فسر خالد وأمر لأبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم.
ودخل الحجاج الكوفة متوجها إلى عبد الملك فصعد المنبر فانكسر تحت قدمه فعلم أنهم قد تطيروا له بذلك، فالتفت إلى الناس قبل أن يحمد الله تعالى فقال: شاهت الوجوه وتبت الأيدي وبؤتم بغضب من الله إذا انكسر عود جذع ضعيف تحت قدم أسد شديد تفاءلتم بالشؤم، وإني على أعداء الله تعالى لأنكد من الغراب الأبقع وأشأم من يوم نحس مستمر، وإني لأعجب من لوط وقوله: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
إليك «4» ، فأي ركن أشد من الله تعالى أو ما علمتم ما أنا عليه من التوجه إلى أمير المؤمنين وقد وليت عليكم أخي محمد بن يوسف وأمرته بخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا في أهل اليمن فإنه أمره أن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وقد أمرته أن يسيء إلى محسنكم وأن لا يتجاوز عن مسيئكم، وأنا أعلم أنكم تقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة، وأنا معجل لكم الجواب لا أحسن الله عليكم الخلافة، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.
وخرج بعض ملوك الفرس إلى الصيد فأول من استقبله أعور فضربه وأمر بحبسه، ثم ذهب للصيد فاصطاد صيدا كثيرا فلمّا عاد استدعى بالأعور فأمر له بمال فقال: لا حاجة لي به ولكن ائذن لي في الكلام، فقال: تكلم، فقال: أيها الملك إنك تلقيتني فضربتني وحبستني وتلقيتك
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 336