اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 306
وأصلح حاله من بعد شرب ... بهذا الجام من هذا الطلاء «1»
فينعم للتي قد أنفذته ... إليه بزورة بعد العشاء
فسرّ بذلك ووقعت الجارية منه أعظم موقع، وزار الخيزران وأقام عندها يومين.
وأهدى الصابي إلى عضد الدولة أسطر لابا في يوم المهرجان وكتب إليه يقول:
أهدى إليك بنو الأملاك واحتفلوا ... في مهرجان جديد أنت تبليه
لكنّ عبدك إبراهيم حين رأى ... سموّ قدرك عن شيء يدانيه
لم يرض بالأرض يهديها إليك وقد ... أهدى لك الفلك الأعلى بما فيه
وأهدى رجل إلى المتوكل قارورة ذهب وكتب معها بأن الهدية إذا كانت من الصغير إلى الكبير فكلما لطفت ودقت كانت أبهى وأحسن، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلّت كانت أوقع وأنفع.
وأهدى مرة أبو الهذيل إلى موسى بن عمران دجاجة ووصفها له بصفات جليلة، ثم لم يزل يذكرها، وكلما ذكر شيء بجمال أو سمن قال: هو أحسن أو أسمن من الدجاجة التي أهديتها إليكم، وإن ذكر حادث قال: ذلك قبل أن أهدي لكم الدجاجة بشهر، وما كان بين ذلك وبين إهداء الدجاجة إلا أيام قلائل، فصارت مثلا لمن يستعظم الهدية، ويذكرها «2» . قال الشاعر:
وإن امرأ أهدى إليّ صنيعة ... وذكّرنيها مرّة للئيم
وقال سفيان الثوري: إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم.
وكان سفيان يروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها، فأهدى إليه صديق له ثيابا من ثياب مصر وعنده قوم، فذكروا الخبر، فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب أما في ثياب مصر فلا.
وكتب الحمدوني إلى جارية اسمها برهان، وقد حج مواليها، فقال:
حجوا مواليك يا برهان واعتمروا ... وقد أتتك الهدايا من مواليك
فأطرفيني بما قد أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك
ولست أقبل إلّا ما جلوت به ... ثنيتيك وما ردّدت في فيك
وكتب بعضهم إلى صديقه وقد أهدى إليه هدية يسيرة يقول:
تفضّل بالقبول عليّ إني ... بعثت بما يقلّ العبد عندك
وأهدى بعضهم إلى صديقه هدية في يوم نيروز، وكتب إليه يقول: هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة، وقدر الأمير يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة، وقد وجهت ما حضر علما بأنه لا يستكثر ما جل ولا يستقل لعبده ما قل، فإن رأى أن يتطول بقبول القليل كتطوله بإهداء الجزيل فعل، وجعل يقول:
رأيت كثير ما يهدى إليكم ... قليلا فاقتصرت على الدعاء
وبلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه ويقول:
ظالم ولي المظالم، فأهدى إليه هدية فمدحه الأعمش بعد ذلك وقال: الحمد لله الذي ولي علينا من يعرف حقوقنا، فقيل له: كنت تذمه ثم الآن تمدحه، فقال: حدثني خيثمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها» .
وقال عبد الملك بن مروان: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها، الكتاب يدل على عقل كاتبه، والرسول يدل على عقل مرسله، والهدية تدل على عقل مهديها. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الخامس والخمسون في العمل والكسب والصناعات والحرف وما أشبه ذلك
أما العمل:
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل العمل أدومه وإن قل» . وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه:
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 306