اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 305
سألكم بالله فأعطوه ومن استعاذكم فأعيذوه ومن أهدى إليكم كراعا «1» فاقبلوه» . وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ما هو خير منها. وفي الأثر: الهدية تجلب المودة إلى القلب والسمع والبصر.
ومن الأمثال: إذا قدمت من سفر فأهد أهلك ولو حجرا. وقال الفضل بن سهل: ما استرضي الغضبان، ولا استعطف السلطان، ولا سلبت السخائم «2» ولا دفعت المغارم، ولا استميل المحبوب، ولا توقي المحذور بمثل الهدية.
وأتى فتح الموصلي بهدية وهي خمسون دينارا فقال:
حدثنا عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال «من أتاه الله رزقا من غير مسألة ورده فكأنما رده على الله تعالى» .
وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية إلى عمر، فردها، فقال:
يا عمر لم رددت هديتي؟ فقال رضي الله تعالى عنه: إني سمعتك تقول خيركم من لم يقبل شيئا من الناس. فقال:
يا عمر إنما ذاك ما كان عن ظهر مسألة، فإما إذا أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك.
وقالت أم حكيم الخزاعية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تهادوا فإنه يضاعف الحب ويذهب بغوائل «3» الصدور» . ويقال: في نشر المهاداة طي المعاداة.
ذكر أنواع الهدايا للخلفاء وغيرهم ممن قصرت به قدرته فاهدى اليسير وكتب معه مكاتبة يعتذر بها:
أهدي إلى سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام ثمانية أشياء متباينة في يوم واحد. فيلة من ملك الهند، وجارية من ملك الترك، وفرس من ملك العرب، وجوهر من ملك الصين، واستبرق من ملك الروم، ودرة من ملك البحر، وجرادة من ملك النمل، وذرة من ملك البعوض.
فتأمل ذلك، وقال: سبحان القادر على جمع الأضداد.
وأهدى ملك الروم إلى المأمون هدية، فقال المأمون:
أهدوا له ما يكون ضعفها مائة مرة ليعلم عز الإسلام ونعمة الله تعالى علينا، ففعلوا ذلك، فلما عزموا على حملها قال: ما أعز الأشياء عندهم؟ قالوا: المسك والسمور.
وقال: وكم في الهدية من ذلك؟ قالوا: مائتا رطل مسكا ومائتا فروة سمور.
وأهدت قطر الندى إلى المعتضد بالله في يوم نيروز في سنة اثنتين وثمانين ومائتين هدية كان فيها عشرون صينية ذهب في عشرة منها مشام عنبر وزنها أربعة وثمانون رطلا، وعشرون صينية فضة في عشر منها مشام صندل زنتها نيف وثلاثون رطلا، وخمس خلع وشي قيمتها خمسة آلاف دينار، وعملت شمامات ليوم النيروز بلغت النفقة عليها ثلاثة عشر ألف دينار.
أهدى يعقوب بن الليث الصفار إلى المعتمد على الله هدية في بعض السنين من جملتها عشر بازات منها باز أبلق لم ير مثله، ومائة مهر، وعشرون صندوقا على عشر بغال فيهم طرائف الصين وغرائبه، ومسجد فضة بدرابزين يصلي فيه خمسة عشر إنسانا ومائة رطل من مسك، ومائة رطل عود هندي، وأربعة آلاف ألف درهم.
وأهدت ثريا بنت الأوباري ملكة افرنجة وما والاها إلى المكتفي بالله في سنة ثلاث وسبعين ومائتين. خمسين سيفا وخمسين رمحا وعشرين ثوبا منسوجا بالذهب، وعشرين خادما صقلبيا، وعشرين جارية صقلبية، وعشر كلاب كبار لا تطيقها السباع، وست بازات، وسبع صقور، ومضرب حرير متلون بجميع الألوان كلون قوس قزح، يتلون في كل ساعة من ساعات النهار، وثلاثة أطيار من الأطيار الإفرنجية إذا نظرت إلى الطعام أو الشراب المسموم صاحت صياحا منكرا وصفقت بأجنحتها حتى يعلم ذلك، وخرزا يجذب النصول بعد نبات اللحم عليها بغير وجع، وحمارة وحشية عظيمة الخلقة في قدر البغل، وآذانها شبه آذان البغل، وهي مخططة تخطيطا عاما لجميع خلقتها.
وأهدى قسطنطين ملك الروم إلى المستنصر بالله في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة هدية عظيمة اشتملت قيمتها على ثلاثين قنطارا من الذهب الأحمر كل قنطار منها عشرة آلاف دينار عربية قيمة ذلك ثلاثمائة ألف دينار عربية.
وحكي أن الخيزران جارية المهدي كانت أديبة شاعرة، فعزم المهدي على شرب دواء، فأنفذت إليه جام بلور «4» فيه شراب اختارته له مع وصيفة بكر بارعة الجمال، وكتبت إليه تقول:
إذا خرج الإمام من الدواء ... وأعقب بالسلامة والشفاء
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 305