اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 279
وعنه، عن أبيه قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين أحرم والغالية على صدغيه كأنها لزقة.
وقال أبو الضحى: رأيت على رأس الزبير من المسك ما لو كان لي لكان رأس مالي. وقيل: لما بنى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بفاطمة بنت عبد الملك، أسرج في مسارجه تلك الليلة بالغالية.
وقال الشعبي: الرائحة الطيبة تزيد في العقل.
وقال علي كرم الله تعالى وجهه: تشمموا النرجس ولو في العام مرة، فإن في قلب الإنسان حالة لا يزيلها إلا النرجس. وكان الشعبي يقول: إذا ورد الورد صدر البرد.
وكانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا لحاهم بالطيب. وكان من اختلف في طرقات المدينة وجد عرفا طيبا، قيل: ولذلك سميت طيبة. وأقول: والله ما طابت طيبة إلا بالقلب الطاهر صلى الله عليه وسلم وما أحسن ما قيل:
إذا لم أطب في طيبة عند طيب ... به طيبة طابت فأين أطيب
وقيل: إن فارة المسك دويبة شبيهة بالخشف تصاد لسرتها، فإذا صادها الصياد عصب السرة بعصابة شديدة، فيجتمع فيها دمها ثم يذبحها، ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعير حتى يستحيل الدم المجتمع فيها مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام نتنا. وقد يوجد جرذان سود يقال لها فارات المسك ليس عندها إلا رائحة لازمة لها.
وحكي أن العنبر يأتي على طفاوة الماء لا يدري أحد معدنه، فلا يأكله شيء إلا مات ولا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه، ولا يقع عليه حيوان إلا نصلت أظفاره فيه، والتجار والعطارون ربما وجدوا أظفارا فيه.
وقال الزمخشري عفا الله عنه: سمعت ناسا من أهل مكة يقولون: هو من زبد بحر سرنديب. وأجود العنبر الأشهب، ثم الأزرق، وأدونه الأسود.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء نثره البحر. وأما العود، فأجوده المندلي وهو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند. وأجوده أصلبه وامتحان رطبه أن تطبع فيه نقش الخاتم، فإن انطبع، فرطب وإلا فلا، ومن خصائصه أن رائحته تطبع في الثوب أسبوعا فلا يقمل ما دامت فيه. وأما الكافور فهو ماء شجر بجزيرة الكافور يخزونه بالحديد، فإذا خرج ظاهرا وضربه الهواء انعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار، وأما الند فمصنوع وهو العود المستقطر والعنبر واللبان:
لو كنت أحمل جمرا حين زرتكم ... لم ينكر الكلب أنّي صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك يقدمني ... والعنبر الندّ مشبوب على النار
وكانت ملوك الفرس تأمر برفع الطيب أيام الورد. وكان المتوكل يلبس أيام الورد الثياب الموردة ويفرش الورد في مجلسه، ويطيب جميع آلاته بالورد. وقال الحسن بن سهل: أمهات الرياحين تقوى بأمهات الطيب، فالنرجس يقوى بالورد، والورد يقوى بالمسك، والبنفسج يقوى بالعنبر، والريحان يقوى بالكافور، والنسرين يقوى بالعود.
وقال جالينوس: المسك يقوي القلب، والعنبر يقوي الدماغ، والكافور يقوي الرئة، والعود يقوي المعدة، والغالية تحل الزكام، والصندل يحل الأورام.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل» . تبخر بعض الأمراء وعنده أعرابي، ففرطت من الأمير ريح خفيفة، فأراد أن يعلم هل فطن بها الأعرابي أم لا؟ فقال:
ما أطيب هذا المثلث! قال: نعم، ولكنك ربعتها.
وقال الأحنف: إن شم رائحة المسك يحيي القلب.
وقال سلمة لابن عباس وعنده جعفر بن سليمان: ما شمّت أنفي من ريح مسك شممته من الناس إلا ريح كفك أطيب. فأمر له بألف دينار، ومائة مثقال مسك، ومائة مثقال عنبر «1» ، والله أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الثامن والاربعون في الشباب والصحة والعافية وأخبار المعمرين وما أشبه ذلك
وفيه فصول الفصل الأول في الشباب وفضله
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا ولا أوتي العلم عالما إلا شابا، ثم تلا
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 279