اسم الکتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي المؤلف : عبد اللطيف محمود حمزة الجزء : 1 صفحة : 63
وعندي أن الأساس الذي بنيت عليه فكرة الاجتهاد في التشريع, هو ما ذهب إليه عامة المفكرين من أن رجال القانون في أيِّ جيلٍ من الأجيال, إنما يمثلون في الواقع جيلًا متخلفًا عن الرأي العام السائد في هذا الجيل، أو بعبارةٍ أخرى: يمثلون الجيل السابق أكثر مما يمثلون الجيل الحاضر أو اللاحق، فإذا صحَّ ذلك, فإنه يفضي بنا إلى القول في صراحة: بأن كل جيلٍ من الأجيال في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى طائفة من أهل الاجتهاد يشرعون له من النظم والقوانين ما يتفق والحالة التي انتقل إليها، أو ما يتفق والتطور الذي خضع له، فإذا حرم جيلٌ من الأجيال من هذا الاجتهاد, أصبح القانون الذي يخضع له جامدًا لا حياة فيه، وعجز هذا القانون عن أن يحل مشكلة، أو يحمي مصلحة، أو يساعد على أيِّ نوعٍ من أنوع التطور أو الرقيِّ.
والذي لا شك فيه أن الرأي العام هو وحده القادر دائمًا على أن يكشف عما بالقانون القديم من نقص، ويعبِّر عما يحتاج إليه الجيل الجديد من إضافةٍ أو تعديلٍ أو حذفٍ.
ومهما يكن من شيء, فنحن إذ نتعمق البحث في طبيعة الرأي العام من جانبٍ, وطبيعة القانون من جانب آخر، نجد أن بينهما فروقًا من نواحٍ شتَّى منها:
أولًا: الرأي العام -كما قلنا- يعتبر أصلًا من الأصول التي يُبْنَى عليها القانون، والعكس قلما يصح.
ثانيًا: أن القانون بحاجةٍ على الدوام إلى تأييدٍ من الرأي العام، ولذا فإنه كثيرًا ما تتعرض القوانين التي لا تظفر بهذا التأييد إلى خطر الإلغاء, في اللحظة التي يظهر فيها أن هذا القانون ضارٌّ بمصلحة من مصالح الجمهور، ومثال ذلك:
"أن من القوانين الأمريكية ما لم يرض عنه الرأي العام الأمريكيّ، مثل قانون حظر صناعة الخمور وتناولها, سنة 1920، وقد قامت ضده الدعايات
اسم الکتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي المؤلف : عبد اللطيف محمود حمزة الجزء : 1 صفحة : 63