اسم الکتاب : المحب والمحبوب والمشموم والمشروب المؤلف : السري الرفاء الجزء : 1 صفحة : 113
" إني لأدع الرجَز مخافة أن يستفرعني، وإني لأراه كآثار الخيل في اليوم الثري " والحُميا وردت مصغرة كاللجين والكُعيت وتصغيرها تصغير تعظيم لشدتها، وعقرها للشاربين، وسطوها بعقولهم، واشتقاقها يوجب ذلك لأن الحِمى المكان الممنوع، وحَميتُ المريضَ منعته شهوته، ولهذا قالوا حِمىً ومَحْمِيَة، وهو أحمى أنفاً من النمر، وإذا وصف الشاعر الممدوحَ بالشمم فإنه يريد به سيداً ذا أنفة، أخبرني به أبو سعيد السيرافي قراءةً عليه في كتاب الجمهرة عن أبي بكر بن دريد. قال السهمي:
في كفِّهِ خيزرانٌ ريحُه عَبِقٌ ... منْ كفِّ أروعَ في عِرنينه شَمَمُ
وقال المحدث:
أشمُّ طويلُ الساعدَيْنِ كأنّما ... يناطُ نِجادا سيفِهِ بلواءِ
وتقول العرب فلانٌ حامي الحِمى أي مانع لحوزته، والحامي عندهم هو الفحل الذي حمى ظهره من الركوب، فكانوا إذا بلغت إبل أحدهم عدداً ما فقأ لها عين الفحل يريد طرد العين عنها، والغارات والسُّواف. قال:
فقأتُ لها عينَ الفحلِ تَعيُّفاً ... وفيهنَّ رعلاءُ المسامعِ والحادي
أم زنْبَق: قال: العرب توجه الأمومة والأبوة والبنوة لغير المواليد، فيقولون: أم العيال لرئيس القوم، وأم الطريق لمعظمه.
قال كثير:
.............. ... تَخصُّ بهِ أمُّ الطريقِ عيالَها
وأم القرى مكة، قالوا في تفسير قوله تعالى: " النبيُّ الأمّيّ " إنه من أم القرى مكة، والثاني إنه كما ولدته أمه لا يخط ولا يقرأ، وهذا دلالة على بهور معجزته وظهور آيتها، وسلامتها من نوازع الشُّبَه، وخوالج الشكوك وخوالج الظنون، لأن العلم الذي تحدى به العربَ القرآنُ وهو من جنس كلامهم، ونمط خطابهم، ونحت أوضاعهم، ومؤتلف من حروفهم، وهم فرسان الكلام وأمراء النظام، عليهم تهدلت فروعه، وفي خواطرهم تساقطت قطوفه، يرتجزون بالمتْح على الرَّشاء، ويُقصِّدون بالخد في الأرض، ويرتجلون المزدوج بلقط الحصى، ويقتضبون المسجوع بميل العصا، ويتكاثرون بهدل الشفاه، ورحابة الأشداق، وطول العذبات، وسلق الخصم بالألسنة الحداد، والسواعد الشداد، والمفاخرة بالسلاطة واللدد، والذلاقة في اللَّقَن، والمجاراة فيه إلى أبعد أشواطه، وأقصى أطلاقه، جراء المذكِّيات الغِلاب، وأبى سبحانه عليه، صلى الله عليه وسلم، الكتابةَ والخط بالقلم إبراءً لإعلامه، وتنزيهاً لمعجزاته، واستصرافاً للآذان النافرة، واستمالةً للصدور الواغرة لأن صاحب الخط يقيِّد هواجس فكره، وخواطر خلَده بمجاري قلمه، فيكون أقدر على التأليف والوضْع، وأقوى على التصنيف والجمع، وأقهر للعويص الممتنع، والأبيّ المُعتاص، وأمكن من تسخير الألفاظ للنظم، وتذليل الكلِم للرصْف من الأمّيّ الذي هو أعزل اليد من سلاح الكتابة، وعاطلُ البنان من حليّ الخطّ، وإنما يعرف أصداءَ الحروف دون صورها، ويتبين أجرامها سوى أمثلتها، فينشئ خاطرُه، ويخترع فكره الخطاب.
اسم الکتاب : المحب والمحبوب والمشموم والمشروب المؤلف : السري الرفاء الجزء : 1 صفحة : 113