اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 385
الروحانية، وإن نطقت ألسن شهوات/ نفسه طلّقها، وإن سكنت نواطق همّتها علّقها، وإذا أنفق ذخائر قوته في العبادة وفرقها، شكى إلى الله شحّ نفسه، فانه ما أنفقها، وهو الذي قالت عنه: «زوجي العشنّق، إن أنطق بلسان الشهوة أطلّق، أو أسكت سكوت فترة أعلّق» .
الرابعة [1] : نفس مطمئنة، مؤيدة بالرضا، ممنوحة بالمنة، راسخة القدم في مشاهد القدم، قد رفعت حجاب الكشائف الخلقية، حتى شهدت اللطائف الحفيّة، وعرفت سرائر أسرار الربوبية، في مظاهر أطوار العبودية، فرجعت في كل حال إلى الله، وتلقت كل واقعة من الله فهي راضية في كل مشهد، بالله مرضية في كل حضرة لله، وصاحب هذه هو عارف الوقت، المحفوظ من السلب بالقبول في الوقت، وقد أخمد ببرد الرضا حرارة الانتقام، وبلوغه الشوق نفى قرّ المهابة والإحجام، وبمحض التسليم، أمن قواطع القرب، وبسلامة الذوق فارق الملل من الشرب، فهو كما/ قالت: «زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سآمة، والغيث غيث غمامة» .
الخامسة: نفس مشتراة من المملكة البشرية، محفوفة بالمكنة من المملكة السريّة، قيل في شأنها بلسان المنة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
[2] ، نفس جاهدت فغنمت، شاهدت فنعمت، وقتلت بصفاء الزهد شيطانها، وقبلت بوفاء العهد سلطانها، وصاحب هذه إمام وصل الفتح لواحي سياداته [3] بسوابق إراداته، وقطع العزم علائق الحسيّة بسيف الحزم في مجاهداته، فاستبشر عند محق الخيال من حقائق الجمال بأكمل لذّاته، وأتاه مدد السمع والبصر والروح بانجاز عداته، ووجد ما وعد من صدق الكليم، والحي والشهيد حقا/ في مشاهداته، فهو كما قالت: حظيرة حضراته السنية، زوجي إن دخل حضرة المشاهدة العلمية فهو بتنادم الأنية، وإن خرج لميدان فرسان المجاهدة العملية أسد باخلاص العزم والنية، ولا تسأل عمّا عهد من حسن فعله وقوله، لصدق تبرّيه من قوته وحوله.
السادسة: نفس لوّامة متلونة على صور الحظوظ اللامّة، لا يزال شأنها الملل في كل علم وعمل، كلما حصلت على مطلوب نشأ لها حظ وأمل، فهي أبدا في شكاية ووجل، وكآبة أنشأتها الرغبة في الغاية والضجر مما حصل، فصاحب هذه إن وقف على باب مولاه، حتى فتح له وآواه، وأحضرته حضرة مناجاته، أو منحه رؤياه، وأجلسه على موائد/ مدده [1] في بلوغ الأرب 2/38: قالت الرابعة: (زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة، والغيث غيث غمامة) .
[2] التوبة 110. [3] في ش: لواحق سياداته. واللواحي: كل ما لمع بشيء وأظهره، ومنه قول الشاعر: (اللسان لوح) :
فامّا ترى رأسي تغيّر لونه ... ولاحت لواحي الشيب في كل مفرق
اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 385