اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 345
إليهم تارة وإليّ أخرى، وقال: إما أن تكفوا عن حثكم، وإما أن تطلعوا أخاكم الآخر على أول بحثكم، فتنبهوا إليّ، وأقبلوا عليّ، وقالوا أيها الأخ، إن بحثنا الدقيق في طريق هي السر المكتوم، وغوصنا العميق، في منهاج هو مفتاح العلوم، وما ظنك بطريق جنيدها [1] أعظم من الملوك، وأدهمهما وابنه [2] غير مصروفين لنظمها في سلوك الحسن، بحسن السلوك، وأهلها هم أهل الكرم الصيّب، وذلها ينبت العز، وكل مكان ينبت العز طيب [3] : [الكامل]
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام [4]
فكم منكر صار فيها معروفا بالإيثار، وكم مالك [5] أصبح معروفا بحسنها عن دينار: [السريع]
كم أسد روّع بالشّبل ... فيها وحاف فاق ذا نعل
وكم سريّ بحره زاخر ... وكم فضيل فاز بالفضل
قلت: قد وعيت إلى رمزكم، وانتهيت إلى كنزكم، فزيدوني إيضاحا، زادكم الله صلاحا، قالوا: نحن- أيتها العصبة- لنا في التصوف رغبة، وجدالنا معاشر الرفقة في لفظة التصوف، ممّ هي مشتقة؟ وماذا شرط الصوفي المصافي؟ وإلى الآن ما تحرر لنا في ذلك جواب شاف.
قال الشيخ: على الخبير سقطتم، وبجهينة [6] الخبر أحطتم، ولكنكم ما التفتم أولا إليّ، ولا عولتم في ذلك عليّ، قالوا: مثلك لا يبخل بافادتنا، وأنت عودتنا المسامحة في المطارحة، فاصبر لعادتنا، قال: سمعا وطاعة، اعلموا أيتها الجماعة، أنّ اشتقاق التصوف عند أهل [1] الجنيد: هو أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، الزاهد المشهور، أصله من نهاوند، ومولده ومنشؤه في العراق، تفقه على أبي ثور صاحب الإمام الشافعي، توفي سنة 297 هـ. (وفيات الأعيان 1/373 تحقيق إحسان عباس ط بيروت 1968) . [2] أدهم: هو إبراهيم بن أدهم، أحد مشاهير العباد وأكابر الزهاد، أصله من بلخ، ثم سكن الشام ورابط في سبيل الله، وقيل: إنه كان ابن ملك من ملوك خراسان، فترك ملك أبيه وزهد، توفي سنة 162 هـ. (البداية والنهاية لابن كثير 10/135) . [3] عجز بيت للمتنبي، وتمامه: (ديوان المتنبي بشرح العكبري 1/183) .
وكل امرىء يولي الجميل محبب ... وكل مكان ينبت العز طيب
[4] البيت دون عزو في الدر الفريد 3/290. [5] مالك: هو مالك بن دينار البصري، راو ورع، كان يأكل من كسبه، ويكتب المصاحف بالأجرة، وله مناقب كثيرة، توفي في البصرة سنة 131 هـ. (وفيات الأعيان 4/139) . [6] جهينة: اسم قبيلة يضرب بها المثل، يقال: إن رجلا من جهينة قتل رجلا من بني كلاب اسمه حصين، وقال بعد أن قتله وسمع أخته صخرة تبكيه: (فصل المقال للبكري ص 295، وفرائد الآل في مجمع الأمثال للطرابلسي 2/3) .
تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين
اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 345