responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 14
له في الآخرة أمل، وأهين الكبير، وقدّم عليه الصغير، ورفعت الأشرار، ووضعت الأخيار، فلا يتبع العليم، ولا يستحى من الحليم.. «وهكذا يمضي السيوطي في بيان ما آلت إليه أمور الناس، والسوء الذي عمّ وطمّ، ويجد لكل ذلك مبررا لترك التدريس والعزلة ولزوم البيوت، يقول: «فلنجلس في البيوت، ولنلزم السكوت، ولنتّق الله في خاصة نفسنا، ولندع عامة الأمور إلى أن نحل برمسنا» ، ولم يكن السيوطي في هذا القرار مبتدعا، بل سبقه إلى ذلك جلة من العلماء، وهو يقتدي بالفضلاء من الأوائل، يقول:
«وكم من عالم قبلي قد قبل هذه الوصية، إذ رأى ما ليس له به قبل، وترك الإقراء والإفتاء، وأقبل على خاصة نفسه والعمل، وقد اقتديت بهم ونعم القدوة، وائتسيت بالحديث الذي هو لكل مؤمن أسوة، طالما قطعت نهاري في التدريس والإفتاء، واستغرقت أوقاتي في نفع الناس، وقتا فوقتا، ولم أسلم على ذلكم من يوليني أذى ومقتا، ويرميني كذبا وبهتا» [1] ، والمقامة طويلة ونفيسة سجل فيها ما كان يعانيه من أهل زمانه من حسد وجور وأذى، وأمور دعته إلى لزوم العزلة وترك مخالطة الناس.
لقد اعتزل السيوطي الناس، واعتزل مجالس السلطان أيضا، وترفع عن قبول هدايا السلاطين، ومما يروى أن السلطان الغوري، وكان ذا ثقافة عالية ومشاركة في الشعر والأدب والتاريخ، وله مجالس مشهورة عرفت بمجالس الغوري، وقد حاول السلطان أن يقرب السيوطي إليه، وأن يسترضيه مما لحق به من أذى في عهد سلفه، ولكن السيوطي آثر العزلة والبعد عن مجالس السلاطين، وكذلك الاعتذار عن قبول هداياهم، فقد أرسل إليه السلطان الغوري هدية هي ألف دينار وخصي، فرد المال، وقال لرسول السلطان: «لا تعد تأتينا قط بهدية، فان الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك» ، وأما الخصي فقد أعتقه السيوطي وجعله خادما في الحجرة النبوية الشريفة [2] ، وقد عزز السيوطي موقفه هذا بأن كتب رسالته: (ما رواه الأساطين في عدم التردد على السلاطين) ، وقد رويت باسم آخر هو: (رواية الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين) ، وروى نجم الدين الغزي أنه نظمها في منظومة لطيفة وأضاف إليها بعض الزيادات [3] ، وهكذا تتسم حياة السيوطي بالعلم والعفة والترفع عن موائد الحكام وعطايا السلاطين.
وفي سنة 911 هـ ودع السيوطي الدنيا بعد أن عاش فيها حياة عريضة خصبة حافلة بالنشاط والعطاء والعمل، وفارق الدنيا عن اثنين وستين عاما، وهو في أوج اكتماله العلمي

[1] شرح مقامات السيوطي 2/996- 1001.
[2] بدائع الزهور 2/396، وجلال الدين السيوطي، لمصطفى الشكعة ص 108- 109.
[3] الكواكب السائرة 1/228.
اسم الکتاب : المحاضرات والمحاورات المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 14
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست