responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحاسن والمساوئ المؤلف : البيهقي، إبراهيم    الجزء : 1  صفحة : 94
وكان للبرامكة في هذا الشأن ما لم يكن لأحد من الناس منها، إنهم كانوا يخرجون بالليل سراً ومعهم الأموال يتصدقون بها، وربما دقوا على الناس أبوابهم فيدفعون إليهم الصرة فيها الثلاثة الآلاف إلى الخمسة الآلاف والأكثر من ذلك والأقل، وربما طرحوا ما معهم في عتب الأبواب، فكان الناس لاعتيادهم ذلك يعدون إلى العتب إذا أصبحوا يطلبون ما ألقي فيها.
ومنهم خالد بن برمك فإنه حدثنا يوسف بن سلام الزعفراني قال: حدثني أبي قال: قال خالد بن برمك يوماً وهو بالري وأراد الخروج إلى مجلس له وإخراج دوابه إلى الخضرة ونحن قيام بين يديه: من يخرج مع هذه الدواب؟ قال أبي: أنا، وليس أحد يجتريء أن يتكلم، فقال: اخرج معها، فخرجت وكنت أحسن إليها، فلما رددتها حمد أثري فيها، فقلت: أيها الأمير لي حاجة، فقال: وما حاجتك؟ قلت: ثلاثة آلاف درهم، قال: ثلاثة آلاف درهم؟ قلت: نعم، قال: اعطوها ثلاثة آلاف درهم، وقال لي: اشترها الآن واعتقها، ثم قال: ما تريد؟ قلت: الحج أحج وتحج هي أيضاً، قال: اعطوه ثلاثة آلاف درهم، قلت: نحتاج إلى خادم يخدمنا، قال: اعطوه ثلاثة آلاف درهم لثمن الخادم، قلت: نحتاج إلى ثمن كسوة، قال: اعطوه ثلاثة آلاف درهم لكسوتهم، فلم أزل أقول وأعد شيئاً شيئاً حتى قلت: وأحتاج إلى منزل وأحتاج إلى فرس، وهو يقول اعطوه ثلاثة آلاف درهم، حتى أخذت ثلاثين ألف درهم.
قال: وحدثنا يزيد البرمكي قال: كسا خالد كل ثوب كان له حتى لم يبق عليه من كسوته إلا طيلسان خلق، فاتصل خبره في كسوته بامرأته أم خالد بنت يزيد وكانت بالري فبعثت إليه بكسوة من الري طيلسان مطبق لم أر مثله جودةً وحسناً وسعة، وكان خالد ذا بسطة في الجسم فكان يحتاج إلى أسبغ ثوب وأتمه، فوضع بين يديه فنظر إليه ثم رفع رأسه إلي فقال: يا يزيد كيف ترى هذا الطيلسان؟ قلت: ما رأيت مثله وإن بالأمير إليه لحاجة، قال خالد: اصنع به ماذا شئت، قلت: تلبسه أيها الأمير، قال: أنا والله إلى غير هذا أحوج، قلت: وما هو؟ قال: أن تقوم الساعة على شريف من أشراف الناس أو حرّ من أحرارهم فتتحفه به فيقوم فيلبسه كل يوم عيد أو يخرج إذا خرج نحو أهله فيلبسه عند قدومه عليهم فيقول هذا كسوة خالد، هذا والله أفضل وأشرف من لبسي إياه، قال: فكساه بعض عفاته.
يحيى بن خالد فإنه حدثنا علي بن الحسين الأشقر عن عبد الله بن أسوار قال: كنت أخط بين يدي يحيى وكان خطي يعجبه، فبينا أنا جالس بين يديه إذ ناوله رجل كتاباً فثنى أعلاه وجعل يقرؤه، فدخل الفضل ابنه فسلم وجلس ثم أقبل على رجل يحدثه وطرف يحيى في الكتاب الذي بيده، فقال الفضل لذلك الرجل: إني لأعجب كثيراً من أمر نحن فيه! كان الرجل يصل الرجل بخمسين ألف درهم فتغنيه وعشيرته فيكتفون بها ونرى ذلك في وجوههم ويتبين عليهم أثره ونحن نصل الرجل بالخمس المائة الألف الدرهم والأكثر فلا نرى ذلك في وجوههم! فالتفت إليه يحيى وقطع قراءة الكتاب فقال: يا أبا العباس إذا كان أمل الرجل ألف ألف درهم وأعطيته خمس مائة ألف لم تقع منه موقعاً وإنما يرى في وجه الرجل ما بلغ به الأمل، فعجب أهل المجلس من كرمه وقوله وما زالوا يحكونه عنه.
وحدّث ابن مزروع عن أبيه قال: كنت أسير في موكب يحيى بن خالد فعرض له رجل من العامة ومعه كتاب فقال: أصلح الله الأمير، اختم هذا الكتاب، فبادر إليه الشاكرية يزجرونه من حواشي موكبه، فقال: دعوه قبل أن لا تنتفع به، يعني خاتمه، واستدناه فختمه له، وتعجب مسايروه من اغتنامه المعروف وعمله بأفعال الرجال.

اسم الکتاب : المحاسن والمساوئ المؤلف : البيهقي، إبراهيم    الجزء : 1  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست