responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحاسن والأضداد المؤلف : الجاحظ    الجزء : 1  صفحة : 299
بينما ينعتنني، أبصرنني ... دون قيد الميل، يعدو بي الأغر
قالت الكبرى: أتعرفن الفتى؟ ... قالت الوسطى: نعم، هذا عمر
قالت الصغرى، وقد تيمتها: ... قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟
قلت: أنا، والله، قائلها يا سيدتي، قالت: ومن هؤلاء؟ قلت:
يا سيدتي، ما هو عن قصد مني، ولا في جارية بعينها، ولكني رجل شاعر أحب الغزل وأقول في النساء قالت: يا عدو الله، يا فاضح الحرائر. أنت قد فشا شعرك بالحجاز، وأنشده الخليفة والأمراء، ولم يكن في جارية بعينها؟
يا جواري، أخرجنه. فخرجت الوصائف، فأخرجنني، ودفعنني إلى الجارية، فعجرتني، وقادتني إلى مضربي، فبت بليلة كانت أطول من سنة، فلما أصبحت بقيت هائماً لا أعقل ما أصنع، فما زلت أرقب الوقت؛ فلما كان وقت المساء، جاءتني الجارية، وسلمت علي، وقالت: يا عمر هل رأيت ذلك الوجه! قلت: أي والله. قالت: فتحب أن أريكه ثانية؟ قلت:
إذا تكرمت، فتكونين أعظم الناس علي منه، فقالت: على الشريطة؛ فاستخرجت المعجر، وعجرتني وقادتني، فلما توسطت المضرب، فتحت العصابة، عن وجهي، فإذا أنا بمضرب ديباج أحمر مدثر ببياض مفروش بفرش ارمني، فقعدت على نمرقة «1» من تلك النمارق، فإذا أنا بالشمس الضاحية قد أقبلت من وراء الستر تتمايل من غير سكر، فقعدت كالخجلة، فسلمت علي، وقالت: أنت عمر بن أبي ربيعة، فتى قريش وشاعرها؟
قلت: أنا ذاك، قالت: أنت القائل:
وناهدة الثديين قلت لها: اتكي ... على الرمل في ديمومةٍ لم توسد
فقالت: على اسم الله أمرك طاعةٌ ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود
فما زلت في ليلٍ طويلٍ ملثماً ... لذيذ رضاب المسك كالمتشهد
فلما دنا الإصباح قالت فضحتني، ... فقم غير مطرودٍ، وإن شئت فازدد
فما ازددت منها، واتشحت بمرطها ... وقلت لعيني: اسفحا الدمع من غد
فقامت تعفى بالرداء مكانها ... وتطلب شذراً من جمان مبدد

اسم الکتاب : المحاسن والأضداد المؤلف : الجاحظ    الجزء : 1  صفحة : 299
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست