اسم الکتاب : المحاسن والأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 279
وممتدحاً لآل سليمان، فقصدت محمد بن سليمان بقصيدتي، فقبلها وأمرني بالمقام، فخرجت ذات يوم إلى المربد، وجعلت المهالبة طريقي، فأصابني حر وعطش، فدنوت من باب دار كبير لأستسقي، فإذا أنا بجارية أحسن ما يكون كأنها قضيب يتثنى، وسناء العينين، زجاء الحاجبين، مهفهفة الخصر، حاسرة الرأس، مفتوحة الجرب؟؟؟؟، عليها قميص لاذجلناري، ورداء عدني، قد علت شدة بياض بدنها حمرة قميصها، تتلألأ من تحت القميص بثديين كرمانتين، وبطن كطي القباطي، وعكن مثل القراطيس، لهما جمة جعدة، بالمسك محشوة، وهي، يا أمير المؤمنين متقلدة خرزاً من ذهب، والجوهر يزهو بين ترائبها، وعلى صحن جبينها طرة كالسبج، وحاجبان مقرونان، وعينان كحلاوان، وخدان أسيلان، وأنف أقنى، تحته ثغر كاللؤلؤ وأسنان كالدر، وقد غلب جربانها سواد السمك والغالية ودابر العود الهندي، على لبتها عبق الخلوق وهي والهة حيرى، واقفة في الدهليز، وجائية تخطر في مشيتها، قد خالط صرير نعلها أصوات خلخالها كأنها تخطر على أكباد محبيها، فهي كما قال الأفوه الأودي:
ليس منه ما يقال لها ... كملت لو أن ذا كملا
كل جزءٍ من محاسنها ... كائنٌ من حسنها مثلا
لو تمنت في براعتها ... لم نجد في حسنها بدلا
فهبتها، والله، يا أمير المؤمنين، ثم دنوت منها لأسلم عليها، فإذا الدار والدهليز والشارع قد عبقت بالمسك. فسلمت عليها، فردت السلام بلسان منكسر، وقلب حزين محرقٍ، فقلت لها: «يا سيدتي! إني شيخ غريب أصابني عطش، فأمري لي بشربةٍ من ماءٍ، تؤجري» . قالت: «إليك عني، يا شيخ، فإني مشغولة عن سقي الماء وادخار الأجر» ! فقلت لها: «يا سيدتي، لأية علة» ؟ قالت: «لأني عاشقة من لا ينصفني، وأريد من لا يريدني، ومع ذلك فإني ممتحنة برقباء فوق رقباء» . قلت لها: «يا سيدتي، هل على بسيط الأرض من تريدينه ولا يريدك» ؟ قالت: «إنه لعمري على ذلك الفضل الذي ركب الله فيه من الجمال والدلال» . قلت لها: «يا
اسم الکتاب : المحاسن والأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 279