اسم الکتاب : المحاسن والأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 206
فلما سمعت ذلك فرحت وقالت: «قم فارجع إلى قومي فإنك شاعر» فانطلقا راجعين حتى انتهيا إليهم، فاستقبلو هما بالسيف والعصا، فقال لهم ضب: «اسمعوا شعري، ثم إن بدا لكم أن تقتلوني بعد، فافعلوا» ، فتركوه فصار فيهم عزيزاً.
وقيل إن أول من قال: «في الصيف ضيعت اللبن» ، قتول بنت عبد، وكانت تحت رجل من قومها، فطلقها وأنها رغبت في أن يراجعها، فأبى عليها، فلما يئست خطبها رجل، يقال له عامر بن شوذب، فتزوجها فلما بنى بها، بدا للزوج الأول مراجعتها، وهوى بها هوى شديداً، فجاء يطلبها ويرنو بنظره إليها، ففطنت به فقالت:
أتركتني حتى إذا ... علقت أبيض كالشّطن
أنشأت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
فذهبت مثلاً، فقال لها زوجها الأول واسمه الأشق: «فهل بقي شيء» ؟ قالت: «نعم فاصله عن جميع مالك وطلاقي، فإن فصلته، تزوجتك» ، فرضي بذلك؛ ثم راجع نفسه فقال لها ذلك، فقالت: «أما إذا ضننت بما لك فانطلق إلى مكان إذا أنت تكلمت سمع زوجي كلامي وكلامك، ثم اقعد كأنك لا تشعر به وقل:
لحا الله بنت العبد إن وصالها ... وصال ملولٍ لا تدوم على بعل
تحدثني أن سوف تقتل عامراً ... لأن لم يكن في ما له عامر مثلي
فهيهات تزويج التي تقتل عامرا ... إذا ما أبت يوماً وإن كان من أجلي
فتقتلني يوماً إذا هويت فتىً ... سواي وأني اليوم من وصلها مجلي
فانطلق الأشق ففعل ما أمرته به، فسمعه عامر، فوقع في قلبه قوله، وقد كان عرف حبها له، فصدق ذلك ودخل عليها، فطلقها، وتزوجها الأشق.
وذكروا أن بطناً من قريش اشتدت عليهم السنة، وكان فيهم جارية يقال لها «زينب» ، من أكمل نسائهم جمالاً، وأتمهن تماماً. وأشرفت فرآها
اسم الکتاب : المحاسن والأضداد المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 206