اسم الکتاب : المجموع اللفيف المؤلف : ابن هبة الله الجزء : 1 صفحة : 249
الذي إليه ترمي، وحليتك التي بها تروّيت، وشيمتك التي إليها اعتزيت، وكنزك الذي له تدّخر، وعزّك الذي تفتخر، عليه شدّ نطاقك، وإليه نزعت أعراقك، فكيف الآن وقد بلغت أشدّك، وعضضت ناجذك، وامتطيت كاهل الزمان حنكة، وحلبت أشطر الدهر دربة، ثم إني صورت لك هذا المسعى الأنجح، والمتجر الأربح، حتى إذا فتح الله عليك ما أغلق، ودفع عنك ما عوّق، كنت كالشاهد لمنازله ومياهه وعقاته [1] ورماله ومفاوزه وجباله وحياضه، وحفارة ومعالمه وآثاره، فتردّ على نصيره، وتقدم على وثيقه، فقد قيل: (قتل أرضا عالمها) [2] ، و (قتلت أرض جاهلها) [3] ، وأيضا فانّ تحديد النظر، وما يزف إلى ثاقب رأيك من بنات [89 ظ] الفكر، والدلائل عيانا من المواعظ والعبر، تشحذ بصيرتك، وتوقظ عزيمتك، لا نتهاز الفرصة، وتقديم العدّة ليوم الشدة، فان ظلمة الشك لا تنجلي إلا بمصباح اليقين، ومنها أنّ أبي رضي الله عنه، سمعته يقول: عاد رجل من حجه فتهافت عليه إخوانه، وتواتر إليه جيرانه، يسألونه عن خبره وحاله في سفره، حتى قطعوه عن مهمّه، فأخذ صحيفة وأودعها قصّته مشوقة، وصورته مشروحة، فكان إذا أتاه آت يستخبرونه، رمى نحوه الصحيفة، ونبذ إليه الدّرج، وقال: هذا أعلم، فتداوله القوم قراءة وتصفحا، واستراح منهم.
ولذكر البادية حرس الله النعمة عليك، وعلينا بك، بداهة يرتاع لها الصّرورة [4] إذا سمع بها، وهيبة يجزع منها الفروقة [5] إذا خبّر عنها، وأيم الله [1] الكلمة في الأصل غير معجمة، وعقاته جمع العقّة وهي الحفرة العميقة في الأرض. [2] قتل أرضا عالمها؛ هذا مثل، والقتل هنا التذليل، يضرب في مدح العلم، والمثل في: مجمع الأمثال 2/118، المستقصى 2/188، جمهرة الأمثال 2/121، البيان والتبيين 2/. 318 [3] قتلت أرض جاهلها؛ هذا مثل، يضرب لمن يباشر أمرا لا علم له به، والمثل في:
مجمع الأمثال 2/108، المستقصى 2/188، البيان والتبيين 2/318. [4] في الأصل: (الضرورة) والصواب الصرورة بالصاد المهملة، وهو الذي لم يحج أو لم يتزوج. [5] الفروقة: الشديد الفزع.
اسم الکتاب : المجموع اللفيف المؤلف : ابن هبة الله الجزء : 1 صفحة : 249