اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 78
وأما الذي يكون الترجيح فيه بسبب شيء خارج عن مفهوم اللفظ فقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} فهذا مستنبط منه معنيان: أحدهما أن الله يعلم السر والجهر في السماوات والأرض، وفي ذلك تقديم وتأخير, أي: يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض، والآخر أنه في السماوات، وأنه يعلم السر والجهر في الأرض من بني آدم؛ لأن الوقف يكون على السماوات, ثم يستأنف الكلام فيقول: يعلم سركم وجهركم في الأرض، إلّا أنَّ هذا يمنع اعتقاد التجسيم، وذلك شيء خارج عن مفهوم اللفظ.
1 سورة الأنعام: آية 3.
الفصل الخامس: في جوامع الكلم
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم" فالكلم: جمع كلمة، والجوامع: جمع جامعة، والجامعة: اسم فاعلة من جمعت فهي جامعة، كما يقال في المذكر: "جمع" فهو "جامع". والمراد بذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- أوتي الكلم الجوامع للمعاني.
وهو عندي ينقسم قسمين:
القسم الأول منهما: هو ما استخرجته ونبَّهت عليه، ولم يكن لأحد فيه قول سابق، وهو أن لنا ألفاظًا تتضمَّن من المعنى ما لا تتضمن أخواتها مما يجوز أن يستعمل مكانها, فمن ذلك ما يأتي على حكم المجاز، ومنه ما يأتي على حكم الحقيقة.
أمَّا ما يأتي على حكم المجاز فقوله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين: "الآن حمي الوطيس" وهذا لم يسمع من أحد قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم, ولو أتينا بمجاز غير ذلك في معناه فقلنا: "استعرت الحرب" لما كان مؤديًا من المعنى ما يؤديه "حمي الوطيس", والفرق بينهما أن الوطيس هو التنور، وهو موطن الوقود ومجتمع النار، وذلك يخيّل إلى السامع أن هناك صورة شبيهة بصورته في حميها وتوقدها، وهذا لا يوجد في قولنا
اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 78