اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 151
عن العمه والكمه، وإن رام أن يستنتجه في حينٍ من الأحيان قضى عليه بغرةٍ عبدٍ أو أَمَة، وكثيرًا ما يتقدَّم ونقيصته هذه على الأفاضل من العلماء، وقد صار الناس إلى زمان يعلو فيه حضيض الأرض على هام السماء".
فلمَّا أوردته عليه ظهرت أمارة الحسد على صفحات وجهه وفلتات لسانه، مع إعجابه به، واستغرابه إياه، ثم قال: وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث وهو: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورةٌ ولا تمثال" فهذا أين يستعمل من المكاتبات? فتروَّيْت في قوله ترويًا يسيرًا، ثم قلت: هذا يستعمل في كتاب إلى ديوان الخلافة، وأمليت عليه الكتاب، فجاء هذا الحديث في فصل منه، وهو:
"إذا أفاض الخادم في وصف ولائه نكصت همم الأولياء عن مقامه، وعلموا أنه أخذ الأمر بزمامه، فقد أصبح وليس بقلبه سوء الولاء والإيمان، فهذا يظهر أثره في طاعة السر, وهذا في طاعة الإعلان، وما عداهما فإن دخوله إلى قلبه من الأشياء المحظورة، والملائكة لا تدخل بيتًا فيه تمثال ولا صورة، فليعول الديوان العزيز على سيفٍ من سيوف الله يفري بلا ضارب, ويسري بلا حامل، ولا يسلّ إلا بيد حق, ولا يغمد إلّا في ظهر باطل، وليعلم أنه كرشه وعيبته في تضمن الأسرار، وأنه أحد سعديه إذا عدت مواقف الأنصار".
فلما رأى هذا الفصل بهت له، وأعجب منه، ثم إني لم أقنع بإيراد ذلك الحديث حتى قرنت به حديثًا آخر، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "الأنصار كرشي وعيبتي".
وحيث عرَّفتك أيها المتعلم ما تقتدي به في هذا الموضع, فقد ذكرت لك أمثلة كثيرة تتدرب بها.
فمن ذلك ما ذكرته في دعاء كتاب من الكتب، وهو:
"أعاذ الله أيامه من الغِيَر، وبيَّن بخطر مجده نقص كل خطر، وجعل ذكره زادًا لكل راكب وأنسًا لكل سمر، ومنحه من فضله ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر".
اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 151