اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 144
تحمله، ولم يعرض على ملأٍ من البلغاء إلا ألقوا أقلامهم أيهم يستعيره, لا أيهم يكفله".
وفي هذين السطرين آيتان من القرآن الكريم: الأولى في سورة "مريم"، وقصتها وقصة ولدها -عليهما السلام، وهو قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [1] والثانية في سورة "آل عمران" في قوله: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [2].
ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب يتضمن وصف القلم، فقلت:
"وقد أوحى الله تعالى إلى قلمه ما أوحاه إلى النحل، غير أنها تأوي إلى المكان الوعر, وهو يأوي إلى البيان السهل، ومن شأنه أن يجتني من ثمراتٍ ذات أرواح لا ذات أكمام، ويخرج من نفثاته شرابٌ مختلفٌ طعمه فيه شفاء للأفهام، وأين ما تنبته كثافة الخشب مما تنبته لطافة المعنى، ولا تستوي نضارة هذا الثمر وهذا الثمر, ولا طيب هذا المجنَى وهذا المجنَى، وقد أرخص الله ما يكثر وجوده فيذهب في لهوات الأفواه، وأغلى ما يعزُّ وجوده, فيبقى خالدًا على ألسنة الرواة، وكل هذه الأوصاف لا تصح إلا في قلم سيدنا الذي إذا خلا بخاطره امتلأت بحديثه المحافل، وإذا حلا كتابه وحدت الكتب الحالية من قبله وهي عواطل، فله حينئذ أن ينظر إلى غيره بعين الاحتقار، ولواصفه أن يسهب وهو قائم مقام الاختصار".
هذا الفصل غريب عجيب، وقد جمع بين الأضداد، فمناله بعيد، وفهمه قريب، وهو مأخوذ من سورة "النحل".
ومن ذلك ما ذكرته في ذم بخيل، وهو:
"له شيمةٌ في الجود لا يشام نائلها، وإذا هزَّها سائلها قال: إنها كلمة هو قائلها".
وهذا مأخوذ من سورة "المؤمنين"[3]. [1] سورة مريم: الآية 27. [2] سورة آل عمران: الآية 44. [3] سورة "المؤمنون": الآية 100.
اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 144