اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 112
ومن هذا المعنى ما ذكرته في فصل من كتاب، وهو:
لقد سوَّى بين أعدائه في البغض وبين أمواله, فهذه معنية بوقع نصاله، وهذه معنية بصنائع نواله، ولو أحبَّ المال لكان أحبَّه إليه ما يبذله، كما أن أحبَّ الناس إليه منح يسأله، ومن أحسن ما سنَّه من الكرم أنه جاد حتى بدَّل رغب العافين زهدًا، ورأى الحمد عوضًا من الصنيعة, فأبى أن يعتاض من صنائعه حمدًا. وبعض هذا المعنى مأخوذ من شعر أبي نواس، وهو:
ليت أعدائي كانوا ... لأبي إسحاق مالا1
ومن ذلك قولي في وصف القتال وموطن الحرب, ووصف الشجاعة والأنجاد، وما يتعلق بذلك ويجري معه، وهذا الفصل يشتمل على معاني مختلفة, فمن ذلك ما ذكرته في وصف العسكر، وهو:
"فَسِرْنَا في غمامةٍ من الكتائب، تظلُّها غمامةٌ من الطيور الأشائب[2]، فهذه يضمُّها بحرٌ من حديد، وهذه يضمها برُّ من صعيد, وما مرَّت ببلد إلّا أزالت أرضه من سمائه، وألبست نهاره ثوب ظلمائه، وبدلت أحراره بعبيده, وحرائره بإمائه، وكذلك فعلت بمدينة فلانة, وقد ضرب الأمن عليها سوارًا، وبَعُدَ عهدُها بالنوائب فلم تدخل لها ديارًا، فهي تخبر عن بلهنية الخفض, ولم ترع عنه بالانتقال، ولا رأت السيف, وقد ألقى لونه في ذوائب الأطفال، فما شعر أهلها إلّا وقد رجمها الجيش بكاهله، ورماها بوابله قبل طله, وطل السحاب قبل وابله، وبرزت خيل القوم ولها زي فرسانها، وهي مستبقة إلى طرادها كاستباقها إلى ميدانها، إلّا من تتأوّد القناة من يده بين لهذمين[3]، وتستقل السرج منه ومن جواده بين مطهَّمين[4]، فجرت المغاوير
1 ديوان أبي نواس 118 وهو من قصيدة يمدح بها إبراهيم بن عبيد الله الحجي. [2] الأشائب: الأخلاط، جمع أشابة بضم الهمزة. [3] اللهذم على وزن جعفر: القاطع من الأسنة. [4] المطهّم على وزن معظم السمين: الفاحش السمن، والنحيف الجسم الدقيقة، ضدان، والتام من كل شيء. والبارع الجمال، والمنتفخ الوجه، والمدور الوجه المحتمعة.
اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 112