اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 110
"جرحوا قلبي، وحبُّهم يذهب بألم الجراحة، وطرفوا عيني وهم يزيدون في نظرها ملاحة، وإذا صدرت الإساءة عن الأحباب لم يكن وقرها وقرًا، وأصبحت وهي منسيةً إذا تجددت الإساءة بالذكرى، وما منهم إلّا من سيط دمي بدمه, ولحمي بلحمه، ولو أنَّ الأسماء معارف الأشخاص لكان اسمي واردًا على اسمه، وكيف أخشن عليهم وقد جبلني الله لهم على اللين، أم كيف أذود النفس عنهم وهي مشتقة منهم وآدم بين الماء والطين، ومتى أؤمل من شجرتي أغصانًا كهذه الأغصان، وقد أصيبت جرثومتها بالجداد[1]، ولهذا قيل: إن الإخوة يتعذَّر الاعتياض عنهم, ولا يتعذر الاعتياض عن الأولاد". آخر هذا الفصل مأخوذ من شعر ابن الرومي، وهو قوله3:
تعزَّيت عمَّن أثمرتك حياته ... ووشك التعزِّي عن ثمارك أجدر
تعذَّر أن نعتاض عن أمهاتنا ... وأبنائنا[3] والنسل لا يتعذّر
غير أن ابن الرومي ذكر ذلك في تعزية إنسان بابنه، فتصرَّفت أنا في هذا المعنى ونقلته إلى هذا الفصل في تضمنه معاتبة أخٍ لإخوته.
ومن ذلك ما ذكرته في فصلٍ من كتابٍ يتضمَّن ذم المشيب، فقلت:
"والعيش كل العيش في سن الحداثة، وما يأتي بعدها فلا يدعى إلّا بسن الغثاثة، وليس بعد الأربعين من مصيفٍ للذَّة ولا مربع، وهي نهاية القوة الصالحة من الطبائع الأربع، فإذا تجاوزها المرء أشفت ثمار عمره على حرصها[4]، وصارت زيادته كزيادة التصغير التي هي زيادة تدل على نقصها، وأصبح بعد ذلك يدعى أبًا بعد أن كان يدعى ابنًا، وتقمَّص ثوبًا من المشيب لا يجر ثوبه خيلاء, ولا يزهى حسنًا، وإن قيل: إن أحسن الثياب شعار البياض, قيل: إلّا هذا الثوب فإنه مستثنى، ويكفيه من الفظاظة أن ينظر إليه نظر القتال، ولولا أن الخمود بعده [1] الجداد القطع.
2 ديوان ابن الرومي 104. [3] في الأصل "وأبنائنا" وهو خطأ، والتصحيح عن الديوان. [4] الحرص حزرما على النخل من الرطب تمرًا.
اسم الکتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي المؤلف : ابن الأثير، ضياء الدين الجزء : 1 صفحة : 110