responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 26
غيره وهو راتع[1] -لا تكن رطبا فتعصر ولا يابسا فتكسر- لا تكن كالعنز تبحث عن المدية -لو ذات سوار لطمتني[2]- المكثار كحاطب الليل[3] -المنية ولا الدنية[4].
وما من ريب في أن هذه الأمثال تستحوذ على ضروب من الجمال الفني يرجع بعضها إلى اختيار ألفاظها، وصيغها ويرجع بعضا الآخر إلى ما تعتمد عليه من تصوير، أو سجع وتوفيق، وهذا هو معنى ما نذهب إليه من الأمثال الجاهلية تحتوي في بعض جوانبها آثارا من الصنعة، ولعل ذلك ما جعل الفارابي يقول: إنها من أبلغ الحكمة[5]، ويقول ابن المقفع إنها آنق للسمع[6]، بينما يقول النظام: إنها "نهاية البلاغة لما تشتمل عليه من حسن التشبيه، وجودة الكناية"[7].
وطبيعي أن تظهر الصنعة في بعض الأمثال الجاهلية، فقد كان العرب حينئذ مشغوفين بالبيان والبلاغة، وصور القرآن الكريم فيهم هذا الجانب، فقال جل شأنه: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} ، وقال: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} ، وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
وفي جميع آثار نثرهم، وشعرهم نجد آثار هذه الرغبة الملحة في استمالتهم الأسماع بجمال منطقهم وخلابة ألسنتهم، وقد دفعتهم تلك الرغبة دفعا إلى تحسين كلامهم، وتحبير ألفاظهم حتى في أمثالهم، وهيأ لذلك أن كثيرا من بلغائهم، وفصحائهم أسهموا في صناعة هذه الأمثال، فكان طبيعيا أن تظهر فيها خصائصهم الفنية التي يستظهرونها في بيانهم، وتدبيج عباراتهم حين ينظمون، أو يخطبون.

[1] العر: الحرب، وكانوا يداوونه في إبلهم بالكي.
[2] ذات السوار: المرأة. يضربه الرجل الشريف في ظلم الحسيس له.
[3] المكثار: المكثر من الكلام، وشبه يحاطب الليل؛ لأنه ربما نهشته حية أو عقرب.
[4] الدنية: العمل الدنيء.
[5] المزهر 1/ 486.
[6] الأدب الصغير بتحقيق أحمد زكي ص28.
[7] مجمع الأمثال 1/ 5.
اسم الکتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 26
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست