responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 154
تعظيمه لهما، يوهمه من صواب قولهما، وبلاغة كلامهما ما ليس عندهما، حتى يفرط في الإشفاق، ويسرف في التهمة، فالأولى يزيد في حقهما الذي هلما في نفسه، والآخر ينقصهما من حقه لتهمته لنفسه، وإذا كان الحب يعمى عن المساوئ، فالبعض يعمى عن المحاسن، وليس يعرف حقائق مقادير المعاني ومحصول حدود لطائف الأمور إلا عالم حكيم، ومعتدل الأخلاط عليم، وإلا القوي المنة، والوثيق العقدة، والذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الأعظم والسواد الأكبر".
وأنت ترى في هذه القطعة المجموعتين من التلاوين العقلية، والصوتية تلتقيان في أسلوب سهل في غير مشقة ولا تكلف، إذ تندمج في صياغته القدرة على التحليل والتعليل بالقدرة على صوغ اللفظ، وتحبيره والاتساع به حتى يؤدي ضروبا من التوقيع الصوتي والترادف الموسيقي، وما من شك في أن ذلك كله كان خطوة نحو أسلوب الجاحظ، الذي سنراه ينهض نهوضا واسعا بالطرفين من التلاوين العقلية والصوتية، ومهما يكن فقد كان سهل يوفر لألفاظه، ومعانيه عناية واسعة، وهي عناية جعلته أحد البلغاء عصره في صنع الرسائل الطويلة وتحبيرها، إذ كان ما يزال يحتال على الرسالة من رسائله بتلاوينه العقلية، وتحاسينه الصوتية، فإذا هي تستوي في صورة بديعة من الفن والصناعة، والجمال والطلاوة.

6- الجاحظ: نشأته وثقافته وحياته:
يوضح الجاحظ على رأس كتاب العصر العباسي غير مدافع ولا منازع، وهو يرجع -فيما يظهر- إلى أصل غير عربي[1]، وولد في البصرة حول عام 159هـ ونشأ فيها نشأة متواضعة، إذ يزعم الرواة أنه نشأ يبيع الخبز والسمك بسيحان2

[1] نزهة الألبا في طبقات الأدبا لابن الأنباري ص254، وانظر أمالي المرتضى 1/ 194 ومعجم الأدباء لياقوت 16/ 74.
2 معجم الأدباء 16/ 74.
اسم الکتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست