responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 58
تعلّم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمَنْ هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده ... صغيرٌ إذا التفّت عليه المحافل
وقال آخر:
لكلّ شيء حسن زينةٌ ... وزينة العاقل حسن الأدب
قد يشرف المرء بآدابه ... فينا وإن كان وضيع النسب
وكان يقال: حسن الأدب خلفٌ من الحسب.
وسمع معاوية رجلاً يقول: أنا الغريب، فقال له: الغريب من لا أدب له.
وقال بعض الشعراء:
قد كانت الآداب في دهر ... تعلّم النّاس فعال الكرام
فصارت الآداب في عصرنا ... تفيد ما يأنف منه اللئام
وقيل لبعض الحكماء: أخبرنا عن دعائم الحكمة، فقال: هي أربع: العقل والعلم والمعرفة والأدب.
وقيل: حليّ الرّجال الأدب، وحليّ النّساء الذهب.
وقالت الحكماء: الأدب أشرف النسب.
وقالوا: قد يستغنى بالأدب عن الحسب.
وقال سيبويه: تكلّم رجل من أهل الأدب بين يدي المأمون، فقال له: ابن من تكون؟ فقال: ابن أدب، أعزّ الله الأمير، فقال له: نعم النسب الذي انتسبت له.
وسمع بعض الأعراب رجلاً يتكلّم في فنّ الآداب، فازدراه لمّا اراد الكلام معه لخساسة حاله، فقال: مالكم يا عبدة الثياب ويا شياة الذئاب حقّرتموني لأطماري ولم تسألوني عن مكنون أخباري؟! وقدم عبد الملك بن صالح بن عليّ بن عبيد الله بن عباس من الرقة بعد خروجه من الحبس، وقد ولاّه الأمين الشام والجزيرة والعواصم، فلقيه ولد أبيه، فلم يرهم أُدباء، فقال: سوأةً لكم يا شرّ خلف من خير سلف، أبتزّ العزّ من أُميّة آبائكم قسراً، وحضوه وحاطوه ثمّ مضوا إلى رحمة الله وخلّفوا لكم فرشاً ممهّدةً، فأهملتم وضيّعتم إقبالاً على الأشربة الخبيثة الملاهي الفاحشة. لله درُّ أخي كلاب حيث يقول:
إذا الحسب الرفيع تواكلته ... ولاة السوء أوشك أن يضيعا
ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا
وقال عبد الملك: لقد استهتر أحداثنا باللذّات، وشغلوا بالشهوات، وبطروا النعم، وأضاعوا الكرم، فصاروا كما قال عبد الرّحمان بن حسان بن ثابت:
إنّي رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا حرَّ الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم مرّةً ... في مجلس أنتم به فتقنّعوا
تمّت مقدّمة الكتاب بعونه تعالى، فلنشرع بذكر الأبواب، وهي مرتّبة على حروف الهجاء، متضمّنة ذكر ما أنشأته أنا وعمّنا المهدي فيه وفي أبيه وإخوته والأماجد من قبيلته، وأذكر في الأثناء ما اشتملت عليه تلك القصائد من الأنواع البديعية، والمطالب الأدبيّة، والبعض من تراجم من يجيء له ذكر في أثناء ذلك الشعر، وليعلم أنّ هذه الأبواب المشيّدة البناء ليستدعي فتح أقفالها المحكمة ذكر نبذة من ترجمة ابيه وإخوته ليعلم بذلك أنّ هذا العرق في أيّ طينة وشج، وبأيّ أعراق لفّه الشرف فانتسج: كان أبوه محمّد الملقّب ب "الصالح" ديمة منن ومنايح يباري النجوم، ويجاري الغيوم، فيباهي تلك مناقب، ويضاهي هذه مواهب، بل أين غيوث السماء من سما يده البيضاء، وهي في استهلال عواديها كما قلت فيه وفيها:
صدقتْ بروقك والبوارق خلّبٌ ... وأضاءَ بشرك والزمان مقطّب
لا قسمت كفّك بالسحاب مساوياً ... بالجود بينهما مخافة أكذب
فالسحب يحلبها النسيم وكفّك ال ... بيضاء طبعاً جودها يتحلّب
وكان مع خطره وعظمه في النفوس، حلو البشاشة، طيّب المفاكة، سهل الخليقة، حسن السمت، يديم اصطناع المعروف، ويتابع للعفاة برّه الموصوف، ولقد بنى في الزوراء دار كرم بيد مجده، لإضافة وفده، فخمد ركب الآمال فيها مناخه، وربى طائر الرجاء فيها أفراخه، ولم يكفه ذلك حتّى بنى على كواهل الطرق حصوناً منيعة، وبيوتاً رفيعة، يريح إليها السفر، ويأمن فيها غائلة القفر، وما برح شاغلاً أوقاته بأداء نفل أو قضاء فرض، وما انفكّ عن عمل الصالحات وتربية العلم وطلاّبه أجمع، وتشييد بيوت أذن الله أن ترفع، حتّى سافر إلى نعيم الآخرة، ولم تدنّس الدنيا بعلائقها أثوابه الطاهرة، كانت ولادته 1201، وقد أرّخت ذلك العام، وإن لم أدركه، بقولي:
أتى اليوم خاتم أهل النهى ... على أنّه للندى فاتح
أغرّ غدا السعد لمّا استهلّ ... وهو لغرَّته ماسح

اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست