responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 19
إنّ المكارم والمعروف أودية ... أحلّك الله منها حيث تجتمع
إذا رفعت امرءً فالله رافعه ... ومن وضعت من الأقوام متّضع
نفسي فدائك والأبطال معلمة ... يوم الوغى والمنايا بينهم قرع
حتّى أتى على آخرها، فقال: ويحك قل حاجتك، فقال: يا أميرالمؤمنين أُخربَت الديار وأُخذت الأموال وهُتِكَ الحرم، فقال: أُكتبوا له بكلّ ما يريد، وأمر له بثلاثين ألف درهم، واحتبسه عنده وشخص أصحابه بالكتب، ولم يزل عنده يقول الشعر فيه.
وقيل: ورد منصور بن سلمة النميري على البرامكة وهو شيخ كبير، فحدّث مروان بن أبي حفصة قال: دخل رجل شامي إلى الرشيد وكان قد تقدّمته البرامكة في الذكر عنده، فأذن له، فدخل فسلّم فأجاد، فأذن له الرشيد، فجلس، قال مروان: فأوجست منه خوفاً فقلت: يا نفس أنا حجازي نجدي شافهت العرب وشافهتني وهذا شامي أفتراه أشعر منّي، قال: فجعلت أرفق نفسي إلى أن استنشده هارون، فإذا هو والله أفصح الناس، فدخلني له حسد، قال: فأنشده قصيدة تمنّيت أنّها لي وأنّ عَلَيّ غرماً، ثمّ ذكر مروان أنّه حفظ من القصيدة أبياتاً وهي:
أميرالمؤمنين إليك خضنا ... غمار الموت من بلد شطير
بخوص كالأهلّة جانفات ... تميل على السرى وعلى الهجير
حملن إليك آمالاً عظاماً ... ومثل الصخر والدرّ النثير
فقد وقف المديح بمنتهاه ... وغايته وصار إلى المصير
إلى من لا تشير إلى سواه ... إذا ذكر الندى كفّ المشير
قال مروان: فوددت أنّه أخذ جائزتي وسكت، وعجبت من تخلّصه إلى تلك القوافي، ثمّ ذكر ولد أميرالمؤمنين عليه السلام فأحسن التخلّص، ورأيت هارون يعجب بذلك، فقال:
يد لك في رقاب بني عليٍّ ... ومن ليس بالمنّ اليسير
فإن شكروا فقد أنعمت فيهم ... وإلاّ فالندامة للكفور
مننت على ابن عبد الله يحيى ... وكان من الحتوف على شفير
وقد سخطت لسخطتك المنايا ... عليه فهي حائمة النّسور
ولو كافأت ما اجترحت يداه ... دلفت له بقاصمة الظهور
ولكن جلّ حلمك فاجتباه ... على الهفوات عفو من قدير
فعاد كأنّما لم يجن ذنباً ... وكان قد اجتنى حسك الصدور
وإنّك حين تبلغهم أذاة ... وإن ظلموا لمحترق الضمير
قال: فلمّا سمع الرشيد هذا البيت منه قال: والله هذا معنىً كان في نفسي، وأدخله بيت المال فحكّمه فيه، ثمّ قال مروان: وكان هارون يبسم وكاد يضحك للطف ما سمع ثمّ أومأ إليّ أن أنشده، فأنشدته قصيدتي التي أقول منها:
خلّوا الطريق لمعشر عاداتهم ... حطم المناكب كلّ يوم زحام
حتّى أتيت على آخرها، فوالله ما عاج ذلك الرجل بشعري ولا حفل به، وأنشده منصور يومئذ:
إنّ لهارون أمّا الهدى ... كنزين من أجر ومن برّ
يريش ما تبري الليالي ولا ... تريش أيديهنّ ما ييري
كأنّما البدر على رحله ... ترميك منه مقلتا صقر
وقال الجاحظ: كان منصور هذا ينافق الريد ويذكر هارون في شعره ومراده بذلك أميرالمؤمنين عليه السلام لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلى أن وشى به عنده بعض أعدائه؛ وهو العتابي، فوجّه الرشيد برجل من بني فزارة وأمره أن يضرب عنقه حيث تقع عينه عليه، فقدم الرجل رأس عين بعد موت منصور بأيّام قلائل.
قال المرزباني: ويصدّق قول الجاحظ أنّه كان يذكر هارون في شعره ويعني به أميرالمؤمنين عليه السلام ما أنشده محمّد بن الحسن بن دريد:
آل الرسول خيار الناس كلّهم ... وخير آل رسول الله هارون
رضيت حكمك لا أبغي به بدلاً ... لأنّ حكمك بالتوفيق مقرون
وممّا امتعض منه هارون الرشيد قوله:
شاء من الناس راتع هامل ... يعللّون النفس بالباطل
تقتل ذريّة النبي وير ... جون خلود الجنان للقاتل
ما الشك عندي في لؤم قاتله ... لكنّني قد أشكّ في الخاذل

اسم الکتاب : العقد المفصل المؤلف : الحلي، حيدر    الجزء : 1  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست