responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العبرات المؤلف : المنفلوطي، مصطفى لطفي    الجزء : 1  صفحة : 98
فَلَمْ تَلْبَث أَنْ لَحِقَتْ بَعْد ثَلَاث لَيَالٍ وَاسْتَحَالَ اَلْحُبّ اَلَّذِي كَانَتْ تُضْمِرهُ لَهُ زَوْجَته إِلَى بَعْض وَاحْتِقَار فَهَجَرَتْهُ وَسَافَرَتْ إِلَى نيس وَلَزِمَهُ خَيَال ذَلِكَ اَلْمَنْظَر اَلَّذِي رَآهُ مِنْ شُرْفَة اَلْقَصْر لَيْلَة اَلْغَرَق لَا يُفَارِقهُ لَيْله وَنَهَاره فَكَانَ كُلَّمَا مَشَى فِي طَرِيق تَوَهُّم أَنَّ أَمَامه نَهْرًا هَائِجًا تَتَخَبَّط سُوزَان فِي لجته وَتَصِيح مَارِي عَلَى ضَفَّته فَيَصْرُخ قَائِلًا لَبَّيْكَ يَا سُوزَان وَيَنْدَفِع إِلَى اَلْأَمَام كَأَنَّمَا يُرِيد أَنْ يُلْقِي بِنَفْسِهِ فِي اَلنَّهْر اَلَّذِي تَوَهَّمَهُ لِيُنْجِيَ اَلْغَرِيقَة اَلَّتِي تُخَيِّلهَا فَيَنْأَى عَنْهُ اَلْمُنَظِّر كُلَّمَا دَنَا مِنْهُ حَتَّى يَنَال مِنْهُ اَلتَّعَب فَيُسْقِط حَسِيرًا طَرِيحًا وَكَانَ يَهِيم عَلَى وَجْه أَحْيَانًا حَتَّى يَصِل إِلَى ضَاحِيَة قِرْبَة لِينِي فَيَرَى اِمْرَأَة عَجُوز مكبة عَلَى قَبْر بَيْن يَدَيْهَا تُبْكِي وتنحب فَيَعْلَم أَنَّهَا كَاتْرِين وَأَنَّ اَلْقَبْر قَبْر قَتْلَاهُ فَيَتَرَاجَع خَائِفًا مَذْعُورًا وَيَصْرُخ قَائِلًا اَلرَّحْمَة اَلرَّحْمَة اَلْعَفْو اَلْعَفْو وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَرَاهُ نِسَاء اَلْفَلَّاحِينَ سَاقِطًا فِي بَعْض اَلْأَمَاكِن اَلَّتِي كُنَّ يَرَيْنَ فِيهَا جلبرت فَيَقُلْنَ لَقَدْ اُنْتُقِمَ اَللَّه لِلشَّهِيدِ اَلْمِسْكِين وَالشَّهِيدَة اَلْمَظْلُومَة وَكَانَ مَنْظَر اَلْمَاء يُهَيِّجهُ أَكْثَر مِنْ كُلّ مَنْظَر سِوَاهُ فَإِذَا رَآهُ اثار وَاضْطَرَبَ وَتَهَافَتَ عَلَيْهِ يُرِيد اِقْتِحَامه لَوْلَا أَنْ يَتَدَارَكهُ مَنْ يَرَاهُ مِنْ اَلْمَارَّة.
وَلَمْ يَزَلْ هَذَا شَأْنه حَتَّى رَأَى اَلنَّاس جُثَّته فِي صَبَاح يَوْم مِنْ اَلْأَيَّام طَافِيَة عَلَى وَجْه اَلنَّهْر فِي اَلْمَكَان اَلَّذِي غَرِقَتْ فِيهِ سُوزَان فَعَلِمُوا أَنَّهَا نِهَايَة اَلْجَزَاء.
مَرَّتْ عَلَى هَذِهِ اَلْحَادِثَة أَعْوَام طِوَال وَلَا يَزَال عَجَائِز قِرْبَة لِينِي وَالْقِرْد اَلْمُحِيطَة بِهَا يحفظنها حَتَّى اَلْيَوْم وَيَبْكِينَ كُلَّمَا ذكرنها ويروينها لِبَنَاتِهِنَّ وَحَفِيدَاتهنَّ عِبْرَة يَعْتَبِرْنَ بِهَا كُلَّمَا طَافَ بِهِنَّ مِنْ شُرُور اَلرِّجَال.

اسم الکتاب : العبرات المؤلف : المنفلوطي، مصطفى لطفي    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست