responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العبرات المؤلف : المنفلوطي، مصطفى لطفي    الجزء : 1  صفحة : 104
رَائِحَة بِالْإِغْوَاءِ حَتَّى بَلَّغَتْ أَبْعَد بِقَاعِهَا فَرَأَيْت مَنْظَرًا هَائِلًا لَا يَزَال أَثَره عَالِقًا بِنَفْسِي حَتَّى اَلسَّاعَة.
رَأَيْت اَلشَّيْخ جُثَّة مُعَفَّرَة بِالتُّرَابِ لَا رَأْس لَهَا وَلَا أَطْرَاف ثُمَّ رَأَيْت رَأْسه وَأَطْرَافه مُبَعْثَرَة حَوَالَيْهِ مأنها نوادب يَنْدُبْنَهُ حَاسِرَات وَرَأَيْت اَلْفَتَى مَشْدُودًا إِلَى شَجَرَة فرعاء كَأَنَّهُ بَعْض أَغْصَانهَا وَقَدْ سَالَ جَمِيع مَا فِي عُرُوقه مِنْ اَلدَّم حَتَّى أَصْبَحَ شَبَحًا مَاثِلًا أَوْ خَيَالًا سَارِيًا وَرَأَيْت اَلْفَتَاة كُتْلَة حَمْرَاء مِنْ اَللَّحْم لَا يَسْتَبِين لَهَا رَأْس وَلَا قَدَم وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهَا أَكْوَام مِنْ اَلْحِجَارَة اَلْمُخَضَّبَة بِدِمَائِهَا ثُمَّ رَأَيْت بِجَانِب هَذِهِ اَلْجُثَث اَلثَّلَاث حُفْرَة جَوْفَاء تفهق بِالدَّمِ فَعَلِمَتْ أَنَّهَا مَجْمَع دِمَاء هَؤُلَاءِ اَلْمَسَاكِين فَشَعَرَتْ كَأَنَّ سَحَابَة سَوْدَاء تَهْبِط عَلَى عَيْنِي قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى غَابَ عَنْ نَظَرَيْ كُلّ شَيْء فَسَقَطَتْ فِي مَكَانِي لَا أَشْعُر بِشَيْء مِمَّا حَوْلِي فَلَمْ أستفق حَتَّى مَضَتْ دَوْلَة مِنْ اَللَّيْل فَفَتَحَتْ عَيْنِي فَإِذَا شَبَح أَسْوَد يَدْنُو مِنَى رُوَيْدًا رُوَيْدًا فَارْتَعْت لِمَنْظَرِهِ وَفَزِعْت إِلَى سَاق اَلشَّجَرَة فَاخْتَبَأَتْ وَرَاءَهُ فَمَا زَالَ يَتَقَدَّم حَتَّى صَارَ بِجَانِبِي فَأُشْعِل مِصْبَاحًا صَغِيرًا كَانَ فِي يَده فَتُبَيِّنهُ عَلَى نُوره فَإِذَا عَجُوز شَمْطَاء فِي زِيّ اَلْمَسَاكِين وَسَحْنَتهمْ فَمَشَتْ تَتَصَفَّح وُجُوه اَلْقَتْلَى حَتَّى بَلَغَتْ مَصْرَع اَلشَّيْخ فَجَثَتْ بِجَانِبِهِ سَاعَة تُبْكِيه وَتَنْدُبهُ ثُمَّ مَشَتْ إِلَى رَأْسه وَأَشْرَافه فَجَمَعَتْهَا وَضَمَّتْهَا إِلَى جُثَّته ثُمَّ بِالْإِغْوَاءِ لَهُ حُفْرَة تَحْت سَاق اَلشَّجَرَة فَدَفَنَتْهُ فِيهَا وَقَامَتْ عَلَى قَبْره تُوَدِّعهُ وَتَقُول فِي سَبِيل اَللَّه مَا لَقِيَتْ فِي سَبِيلِي وَسَبِيل أَحْفَادك اَلْبُؤَسَاء أَيُّهَا اَلشَّهِيد اَلْمَظْلُوم وَفِي ذِمَّة اَللَّه وَكَفَنه رَوْح طَارَ عَنْ جَسَدك وَجَسَد ضَمّه قَبْرك فَقَدْ كُنْت خَيْر اَلنَّاس زَوْجًا وَأَبَا وَأَطْهَرهمْ لِسَانًا وَيَدًا وَأَشْرَفهمْ قَلْبًا وَنَفْسًا فَاذْهَبْ إِلَى رَبّك لِتُلْقِيَ جَزَاءَك عِنْده وَاطْلُبْ إِلَيْهِ اَلرَّحْمَة لِجَمِيع اَلنَّاس حَتَّى لِقَاتِلِيك وَظَالِمِيك وَاسْأَلْهُ أَنْ يُلْحِقنِي

اسم الکتاب : العبرات المؤلف : المنفلوطي، مصطفى لطفي    الجزء : 1  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست